نطلب كل شهر من داعمينا في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن يخبرونا كيف يلتمسون آثار تغيّر المناخ. بطبيعة الحال، لا يمكن أن تُعزى كل هذه الأمثلة إلى تغيّر المناخ وحده، لكن التصوّرات والتجارب والوقائع المختلفة للناس في منطقتنا تساعدنا على اكتساب فهمٍ أفضل لكل الأشكال المتعدّدة التي يرون من خلالها تغيّر المناخ، الذي يؤثّر على حياتهم ومحيطهم.

نخطّط لنشر هذه المدوّنة شهرياً – إذا كنت ترغب في مشاركة تجربتك الخاصة، أخبرنا هنا.

العراق لم يَعُد جنّة النخيل

“فصل الصيف أصبح أطول وأشد حرارة”. لعله الأثر الأبرز الذي يُجمع عليه أغلب سكان العراق الذين راسلونا. في التفاصيل، يتحدث البعض عن “ارتفاع درجات الحرارة إلى معدلاتٍ غير معقولة تصل إلى خمسين درجة مئوية، في تغيّر ملموس لم تعهده البلاد في العقود السابقة”، كما تقول نور، مشيرةً إلى أنه “خلال ساعات النهار الباكر، تكون الحرارة عالية خصوصاً في شهري تموز وآب. فصل الربيع لا وجود له، وكذلك فصل الخريف الذي لم تعد تتجلّ ملامحه”.

في كربلاء، يتحدث علاء عن “الجفاف التي سببته قلة الأمطار وكثرة العواصف الترابية والغبارية غير المسبوقة”، في حين تفيد شهادة متابع آخر بأن “العراق فقد أكثر من 90٪ من أشجار النخيل بعدما كان عددها يقارب 30 مليون نخلة، ليصبح مستورداً للتمور بعد أن كان أكبر مصدّر لها في العالم كله”.

النّحل في المغرب يدفع أيضاً ثمن تغيّر المناخ  

هذا العام كان الأصعب في المغرب من حيث قلة المتساقطات وشح المياه. وفي قرية أولاد كناو شمال المملكة، كان للأثرين تبِعات قاسية وتأثير سلبي على منحل رضوان شتواني. يقول النّحال المغربي لغرينبيس إن “خلايا النّحل التي تعد مصدر رزقي تضرّرت بشكلٍ كبير”، علماً أن قطاع تربية النحل في المغرب يشكّل مصدراً للدخل الإجمالي أو الجزئي بالنسبة لأكثر من 36 ألف نحّال.

في إقليم فكيك الذي يقع في الجهة الشرقية للبلاد، يتحدّث الحسن بن مولى عن تأثيرات ملموسة للتغير المناخي على الزراعة، ويقول: “أعمل في مجال التنمية المستدامة ومحاربة التغيّر المناخي من خلال مبادرة غرس مليون شجرة مع المزارعين في مؤسسة الأطلس الكبير. وأثناء الزيارات الميدانية لمجموعة من المناطق لمتابعة نمو الأشجار، تظهر آثار التغير المناخي في كل حوار نجريه مع المزارعين، الذين يشكون من تراجع الفرشة المائية (المياه الجوفية) بشكلٍ كبير في الآونة الأخير، وقلة التساقطات المطرية”.

ووفق شهادته، فإن “العديد من النباتات انقرضت بفعل الجفاف”، مؤكداً انتشار “ظاهرة خطيرة جداً تتجلى في انتشار النّمل الأبيض الذي يتغذّى على جذور الأشجار الصغيرة ويقتلها”. وهذه الظاهرة، كما يقول المزارعون للحسن، “تظهر عندما يشتدّ الجفاف وتكون الأرض بحاجة ماسة للماء”، لافتاً إلى أن “عمق حفر الآبار ازداد بنسبة 50% مؤخراً”، حيث بات يتطلب الأمر حفر 60 متراً على أقل تقدير للعثور على مياه جوفية، بعدما كان عمق الحفر لا يتجاوز 20 متراً.

(لقطة أرسلها لنا متابع في العراق، تُظهر الانخفاض الكبير في منسوب نهر دجلة)

شتاء الجزائر قصير وبلا أمطار

حال الجزائر لا يختلف كثيراً عن حال العراق. لا تخفي مباركة رزوق مخاوفها من تبعات التغير المناخي على مدينة الأغواط حيث تعيش، وتقول: “فعلاً تغيّر المناخ كثيراً، أنا أعيش في بيئة صحراوية مناخها جاف، بارد شتاءاً و حار صيفاً، لكننا كنا متأقلمين مع هذا المناخ و نستمتع بالفصول الأربعة. لكن في السنوات الأخيرة، منذ ثلاث سنوات تقريباً، صار الصيف حارّاً جداً، فالحرارة أصبحت ترتفع من أواخر شهر مايو و تمتد حتى شهر أكتوبر، أمّا الشتاء فصار غير بارد ويمتد من ديسمبر إلى فبراير ولا أمطار فيه. لا وجود لفصلي الخريف والربيع، وأصبحنا نشهد الزوابع الرملية على مدار السنة. مياه الوديان والآبار جفّت، زاد التصحر وتبدّل كل شيء. درجة الحرارة باتت تفوق 51 درجة في الظلّ أحياناً”.

في العادة، ينام الجزائريون فوق أسطح بيوتهم في فصل الصيف، لأن الليل غالباً ما يكون بارداً، لكن بحسب مباركة “أصبحنا منذ السنة الماضية لا نستطيع أن ننام على أسطح بيوتنا من شدة الحرارة وقوة الرياح الرملية. حتى النفايات، خاصة البلاستيكية، صارت تتجول في السماء، وتنقلها الرياح في كل الاتجاهات. نحن دائماً نضع أواني فيها ماء لتشرب منها الطيور والقطط، لكنها أصبحت تنفذ بسرعة من شدة عطش هذه الحيوانات، خاصة الحمام والعصافير الصغيرة. نباتاتنا أصبحت تموت صيفاً مع أننا نسقيها، ما عدا بعض النباتات الشوكية المقاومة للحرارة. فعلاً كارثة حلت بنا وبأراضينا، حتى مياه الشرب لم تكن تنقطع عنا أبداً، لكننا اليوم أصبح نستعمل الخزانات من شدة انقطاع الماء في الإنقطاع الذي يدوم أحياناً لثلاثة أيام متواصلة”.

تونس تعاني من تدهور التنوّع البيولوجي

يعاين التونسيّون آثار تغير المناخ في تداعياتها القاسية على القطاع الزراعي، الذي شهد تراجعاً كبيراً من حيث الانتاجية، بسبب محدودية التساقطات المطرية. لكن في مقلبٍ آخر، كان لافتاً مشاركة البعض قصصهم بشأن فقدان التنوع البيولوجي الذي لطالما تغنّت به تونس.

على سبيل المثال، يتحدث محمد عروس، المولود في جزر قرقنة في ولاية صفاقس، عن مشقّة مهنة صيد الأسماك خلال السنوات القليلة الماضية، بعد اختفاء أنواعٍ كثيرة من السمك، من دون يحدّد أي منها. وفق عروس، شهدت الجزيرة “تراجعاً في المحصول وارتفعت الأسعار”، وبات “التنوع البيولوجي مهدداً بسبب الصيد غير المشروع وغير المنظّم”، إضافة إلى التحديات المناخية التي تجلّت بموجات الحرارة القاسية وزيادة ملوحة مياه البحر الأبيض المتوسط، في تبعات تلحق ضرراً كبيرا بالتنوع الحيوي.

في هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى أن شهادة عروس تحيلنا إلى دراسة صادرة عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة في عام 2015، بالتعاون مع مبادرة الخطة الزرقاء، تفيد أن قرابة 30 في المئة من المساحة الإجمالية لأرخبيل قرقنة معرضة للانجراف البحري نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر.

هل واجهت آثار تغيّر المناخ؟

لأن التغير المناخي يعدّ من أخطر التهديدات التي تواجه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكجزء من مشروعنا التوعوي لمواجهة آثاره والتكيّف معها، نريد أن نسمع منك، ومن المواطنين في جميع أنحاء المنطقة الذين يشهدون على التغيرات من حولهم، تلك التي تسبَّبَ بها الاحترار العالمي.

انضم إلينا