بينما تجتمع دول العالم بمناسبة انعقاد مؤتمر الأطراف الثلاثين في بيليم، تُتاح لدولة الإمارات فرصة جديدة لتؤدّي دورًا رياديًّا في تقليص فجوة الطموحات، ولتُقدِّمَ نموذجًا عمليًا حول ما يعنيه التنفيذ الفعلي. وستعتمد المرحلة المقبلة من قيادتها على كيفية تفعيل قانونها المناخي، لتحويل الطموحات إلى نتائج ملموسة.

ألقت دولة الإمارات العربية المتّحدة الضوءَ مؤخّرًا، خلالَ لقاءٍ تشاوُريّ عبر الإنترنت لرؤساء الوفود المُشارِكة في مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30)، إلى الفجوة المُحتمَلة بين الطموحات المُعبَّر عنها في المساهمات المحدّدة وطنيًا لعام 2035 وبين المسارات الهادفة إلى حصر ارتفاع متوسّط درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية، مُشيرةً إلى الفرق المتزايد بين نسبة تخفيض الانبعاثات المُعلَن عنها في الخطط المناخية الوطنية والتي تعهّدت بها الدول من جهة، وبين ما يقتضيه العِلم لحصر ارتفاع متوسّط درجات الحرارة دون 1.5 درجة مئوية من جهة أخرى. 

ومن خلال التأكيد على أنَّه “لا يمكن تأجيل الطموح”، أعادت دولة الإمارات تأكيد دورها الريادي الذي أعدَّته بعناية في الدبلوماسية المناخية العالمية. تُعَدّ الإمارات من بين الدول القليلة التي كانَ لها تأثيرٌ حاسم في صياغة النقاش العالمي حول هذه القضية، بدءًا من استضافة مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، مرورًا برعاية “إجماع الإمارات” التاريخي الذي تضمَّنَ التزامًا بالانتقال العادل بعيدًا عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، وصولًا إلى اعتماد أوّل قانون مناخي اتّحادي في المنطقة مؤخّرًا. وقد أثبتت دولة الإمارات بأنَّ الدول التي تعتمد بشكل كبير على نظام الطاقة القائم على الوقود الأحفوري يمكنها أيضًا اتّخاذ خطوات جريئة نحو الالتزام بالانتقال الطاقيّ.

بينما تجتمع دول العالم بمناسبة انعقاد مؤتمر الأطراف الثلاثين في بيليم، تُتاح لدولة الإمارات فرصة جديدة لتؤدّي دورًا رياديًّا في تقليص فجوة الطموحات، ولتُقدِّمَ نموذجًا عمليًا حول ما يعنيه التنفيذ الفعلي. وستعتمد المرحلة المقبلة من قيادتها على كيفية تفعيل قانونها المناخي، أي المرسوم بقانون اتّحادي رقم 11 لسنة 2024 بشأن الحدّ من آثار تغيّر المناخ، لتحويل الطموحات إلى نتائج ملموسة.

من إطارٍ قانوني إلى تقدُّمٍ ملموس

تعهّدت دولة الإمارات، في إطار مساهمتها الوطنية المحدّدة الثالثة (NDC 3.0)، التي قُدِّمَت قبل مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (COP 29)  – وهي أوّل دولة تُقدِّم مساهمتها الوطنية المحدّدة لعام 2035) – بخفض صافي انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 47% بحلول عام 2035. ووفقًا لمرصد العمل المناخي (CAT)، تُمثِّل المساهمة الثالثة الخاصّة بدولة الإمارات (NDC 3.0) “خطوةً مهمّةً نحو تحقيق طموحاتها مقارنةً بهدفها لعام 2030”. ولكنْ، على الرغم من أنَّ مرصد العمل المناخي يَعتبِر أنَّ هذه المساهمة مُتوافِقة نظريًا مع مسار الـ 1.5 درجة مئوية، إلّا أنَّها قد صُنِّفَت بأنَّها “شبه كافية” لتحقيق هدف الـ 1.5 درجة مئوية، نظرًا لكونها صعبة التحقيق عمليًا. بمعنى آخر، الهدف واعد، لكنَّ تحقيقه يعتمد على التنفيذ الفعّال.

في هذا السياق، ومع اعتماد المرسوم بقانون اتّحادي مؤخّرًا، تمتلك دولة الإمارات الوسائل اللازمة والإرادة السياسية، بل أيضًا الإطار التشريعي الداعم الذي يُمكِّنها من ترجمة طموحها الوارد في المساهمة المحدّدة وطنيًا (NDC 3.0) إلى واقعٍ ملموس. وسيعتمد ذلك على المراسيم التنفيذية التي ستُصدرها الدولة لتفعيل القانون الجديد. بالفعل، يضع المرسوم أُسُسًا راسخة، إذ يُقدِّم آليات رئيسية مثل أنظمة الرصد والإبلاغ والتحقّق (MRV)، وخطط التكيّف الخاصّة بكلّ قطاع، ممّا يُتيح للإمارات متابعة التقدُّم المُحرَز في مختلف القطاعات. ومع ذلك، لا يتضمّن القانون بحدّ ذاته أهدافًا محدّدة لخفض الانبعاثات، ولا يوضّح كيفية مواءمة جهود مختلف القطاعات مع المساهمة الوطنية للدولة. وستُحدَّد هذه التفاصيل من خلال المراسيم التنفيذية، وهنا يمكن للإمارات أن تُبرِز جوهر ريادتها في العمل المناخي.

من الطموح إلى التنفيذ: توصيات أساسية

ستُحدِّد المراسيم التنفيذية المرتبطة بالمرسوم الاتّحادي مدى قدرة هذا القانون على تفعيل التزامات دولة الإمارات بخفض الانبعاثات على النحو الوارد في مساهمتها المحدّدة وطنيًا بنسختها الثالثة. ويمكن أن تحتوي هذه المراسيم التنفيذية على عددٍ من الإجراءات والبنود التي تضمن دعم القانون الكامل لأهداف الإمارات المناخية على الصعيدَيْن الوطني والعالمي:

  1. إدراج أهداف خفض الانبعاثات بشكلٍ واضح ومُلزِم قانونيًا:

بما أنَّ المساهمات المحدّدة وطنيًا ليست مُلزِمة قانونيًا، من المهمّ أن تضمن دولة الإمارات إدراج هدفها المتمثّل في خفض الانبعاثات بنسبة 47% بحلول عام 2035 ضمنَ إطارٍ قانونيّ، ممّا يُعزِّز المساءلة بشأن تحقيق هذا الهدف. وبناءً عليه، يُوصى بأن تنصّ المراسيم التنفيذية على هذا الهدف وتجعله مُلزِمًا قانونيًا.

2. ربط نظام الرصد والإبلاغ والتحقّق بآليات التنفيذ:

ينبغي أن تربط المراسيم التنفيذية نظام الرصد والإبلاغ والتحقّق بالتزامات خفض الانبعاثات، ممّا يسمح باتّخاذ إجراءات تنظيمية في حال عدم تحقيق الأهداف الخاصّة بخفض الانبعاثات. ويمكن أن يشمل ذلك فرض غرامات على القطاعات التي تتجاوز حدود انبعاثاتها، بما يضمن أن يُحقِّق نظام الرصد والإبلاغ والتحقّق تخفيضات قابلة للقياس بدلًا من الاكتفاء بالرصد.

3. بناء الثقة من خلال ضمان الشفافية:

من الضروري أيضًا أن تكون التقارير شفّافة من خلال نظام الرصد والإبلاغ والتحقّق من أجل تتبُّع التقدُّم المُحرَز وبناء الثقة في التزامات دولة الإمارات المتعلّقة بالمناخ. ومن شأن هذا التحوُّل من الامتثال الإجرائي إلى المساءلة المُوجَّهة نحو النتائج أن يُعزِّز مصداقية القانون ويرفع مستوى فعّاليته في تحقيق أهداف الإمارات المناخية.

4. تجنُّب الاعتماد المفرط على احتجاز الكربون وتخزينه:

لكي يكون القانون داعمًا لتحقيق الأهداف المتعلّقة بصافي الانبعاثات الصفرية، ينبغي للمراسيم التنفيذية أيضًا أن تفرض قيودًا واضحة بشأن احتجاز الكربون وتعويضه، مع ضمان تنظيم هذه الأدوات بطريقةٍ صارمة وعدم تأثير استخدامها على أهداف إنتاج الطاقة المتجدّدة في دولة الإمارات.

5. إعطاء الأولوية لتطوير الطاقة المتجدّدة:

من خلال إعطاء الأولوية للطاقة المتجدّدة بدلًا من الاعتماد على احتجاز الكربون، ستُحقِّق دولة الإمارات أهدافَها المتعلّقة بالصافي الصفري بشكلٍ مستدام.

من الطموح إلى التنفيذ: من “آخِر القائمين على سوق الوقود الأحفوري” إلى “أوائل الرائدين في الانتقال العادل نحو الطاقة النظيفة”

لقد أعادت الإمارات العربية المتّحدة تعريف مفهوم الريادة المناخية في المنطقة. ومن خلال مواءمة المراسيم التنفيذية لقانون المناخ الجديد مع مساهماتها الوطنية المحدّدة بنسختها الثالثة، وضمان المساءلة الجدّية عن خفض الانبعاثات، يُمكنها اتّخاذ الخطوة الحاسمة التالية: تقليص الفجوة التي أشارت إليها مرارًا وتكرارًا، ورسم مسار نحو مستقبل مستدام قائم على المصداقية والابتكار والتنفيذ الفعّال.

بينما تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى ترسيخ موقعها كـ “آخِر القائمين” في سوق الوقود الأحفوري من خلال التسويق لنفطها كمنتج منخفض الانبعاثات ومتدنّي الكلفة، وبالنظر إلى موقع دولة الإمارات الجديد كرائدة في النقاشات التي تتناول مسألة إزالة الكربون ودورها في ضمان أن يشمل “إجماع الإمارات” نقلةً نوعية غير مسبوقة بعيدًا عن الوقود الأحفوري، فإنَّ أفضل نهج استراتيجي وفعّال لدولة الإمارات يتمثّل في اغتنام فرصتها الفريدة في قيادة الانتقال العادل بعيدًا عن الوقود الأحفوري، لتصبح بذلك من أوائل الدول التي تتوقّف عن استخراج الوقود الأحفوري الجديد.

بقلم حنان كسكاس، مسؤولة الحملات السياسية في غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

مؤتمر الأطراف الثلاثين – COP30 في مدينة بيليم، البرازيل

تتجه أنظار العالم هذا العام نحو مؤتمر الأطراف الثلاثين COP30 في مدينة بيليم البرازيلية، في عام يعدّ الأشدّ حرارةً على الإطلاق في التاريخ. وعلى الرغم من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتحمّل مسؤولية تاريخية ضئيلة عن الانبعاثات مقارنة بالدول الصناعية الكبرى، إلا أنها تُعدّ من بين المناطق الأكثر تأّثراً بالتداعيات القاسية لتغيّر المناخ؛ فمجتمعات المنطقة، التي تقف في الصفوف الأمامية لأزمة المناخ، تواجه تداعيات مركّبة: ارتفاعًا في درجات الحرارة بمعدّل يفوق ضعف المتوسط العالمي، تفاقمًا في ندرة المياه والجفاف، زيادةً في موجات الحر الشديدة، ظواهر طقسٍ متطرّفٍ، وارتفاعًا في منسوب مياه البحار.

انضم إلينا