
| كان من المفترض أن يشكّل مؤتمر الأطراف الثلاثون COP30 محطةً حاسمة لتلبية تطلّعات دول الجنوب العالمي، إلا أنّ مسارات التمويل المبهمة، والالتزامات الفضفاضة، وتأجيل أهداف تمويل التكيّف، أفضت بدلًا من ذلك إلى استجابة لا ترقى إلى مستوى الإلحاح الذي تفرضه الأزمة المناخية على أرض الواقع، ما ترك بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر عرضة لتفاقم ظواهر الطقس المتطرّف. |
لم يكن مؤتمر الأطراف الثلاثون COP30 في بيليم محطة لإطلاق وعود كبيرة بقدر ما كان اختبارًا لقدرة النظام المناخي العالمي على تحقيق نتائج ملموسة للدول الواقعة في الخطوط الأمامية لأزمة المناخ، خصوصًا دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد اتسمت المفاوضات، من التمويل إلى التكيّف، بمسارٍ متعثّر أفضى إلى مخرجات معقّدة، طغت عليها المبادرات الطوعية للرئاسة التي لا تزال تفتقر إلى الوضوح بشأن كيفية دمجها ضمن المسار الرسمي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (UNFCCC).
في ما يتعلّق بالتمويل، تمثّلت أبرز المخرجات في “حزمة بيليم” وقرار وثيقة “المُتيراو العالمية” (Global Mutirão)، وهو مصطلح برتغالي يشير إلى “الجهد الجماعي العالمي” لمواجهة أزمة المناخ. ويرسم هذان القراران خريطة طريق لتعبئة نحو 1.3 تريليون دولار سنويًا لدعم التمويل المناخي في الدول النامية بحلول عام 2035، استنادًا إلى الهدف الجماعي الكمّي الجديد الذي أُقرّ في باكو العام الماضي. ومع ذلك، يظل الجدول الزمني المقترح ضعيفًا ومحاطًا بتنازلات واضحة، إذ يشير جزء أساسي من حزمة النتائج صراحةً إلى ضرورة “تكثيف الجهود” لمضاعفة تمويل التكيّف ثلاث مرات على الأقل بحلول عام 2035، مقارنة بمستويات عام 2025.
ورغم أن اللغة المستخدمة في مًخرجات المؤتمر في هذا الإطار تبدو ضعيفة، فإنها ترسل إشارة سياسية ذات دلالة مهمّة؛ إذ إن التمويل المناخي، الذي ركّز تاريخيًا على التخفيف من الانبعاثات، بدأ، ولو على المستوى الخطابي، يتّجه نحو مقاربة أكثر توازنًا تشمل التكيّف أيضًا. ومع ذلك، تبقى هذه الحزمة بعيدة عن تلبية مطالب الدول الهشّة والمجتمع المدني. فبدلًا من الالتزام الملزِم بمضاعفة تمويل التكيّف ثلاث مرات بحلول عام 2030، استنادًا إلى هدف عام 2025 البالغ 40 مليار دولار، اقتصر اتفاق الدول الأطراف على خريطة طريق طوعية لمضاعفة تمويل التكيّف ثلاث مرات بحلول عام 2035، ومن نقطة انطلاق أضعف بكثير. ويعني هذا المزيج بين قاعدة تمويل ضعيفة وموعد تنفيذ مؤجّل أن العديد من المجتمعات الواقعة على الخطوط الأمامية لن تتلقى الدعم العاجل للتكيّف في الوقت المناسب، مما يفاقم مخاطر التعرّض لتداعيات مناخية لا رجعة فيها ويضاعف حجم الخسائر والأضرار التي تتحمّلها هذه المجتمعات.
وبالنسبة للدول العربية، لا تُعدّ هذه المسألة تفصيلًا تقنيًا، بل قضية مصيرية بامتياز. فمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعيش بالفعل تحت وطأة احترار بلغ 1.5 درجة مئوية، تتجلّى آثاره في موجات حرّ قاتلة، وإجهاد مائي متصاعد، واضطرابات حادة في النظم الغذائية. ورغم أن الالتزام بمضاعفة تمويل التكيّف ثلاث مرات قد يبدو إنجازًا لافتًا، فإنّ تأجيله إلى عام 2035، في ظلّ غياب إطار ملزِم وعادل لتقاسم الأعباء، يهدّد بأن يأتي متأخرًا جدًا عن احتياجات دول مثل السودان واليمن وسوريا والعراق. وقد حذّرت منظمات المجتمع المدني في أفريقيا والشرق الأوسط، منذ وقتٍ مبكر، من أن الجداول الزمنية المؤجَّلة، وغموض نسب التمويل المختلط بين المنح والقروض، وضعف شروط الوصول إلى التمويل، قد لا تسهم في سدّ فجوة التكيّف، بل قد تؤدي إلى “مضاعفة المتاعب ثلاث مرات” بدلًا من معالجتها.
من جانب آخر، شكّل مؤتمر الأطراف الثلاثون COP30 أول محطة مفصلية لتقييم المساهمات المحدّدة وطنيًا (NDCs 3.0)، أي الجيل الثالث من التعهدات المناخية التي يُفترض تقديمها في عام 2025، وذلك ضمن الآلية الدورية التي أقرّها اتفاق باريس لمراجعة هذه التعهدات وتحديثها كل خمس سنوات. ومع اختتام مؤتمر بيليم، كانت ثماني دول عربية على الأقل قد قدّمت مساهماتها المحددة وطنيًا، وهي: الإمارات العربية المتحدة (في وقتٍ مبكر من عام 2024)، والمغرب، والأردن، ولبنان، والعراق، واليمن، وقطر، والبحرين. وقد ركّزت معظم هذه المساهمات على تمديد الأهداف حتى عام 2035، وتوسيع نطاق القطاعات المشمولة، مثل العمليات الصناعية والنقل والتبريد وقطاعي النفط والغاز، إلى جانب إدخال أطر أكثر تفصيلًا للحوكمة والشفافية. غير أن القاسم المشترك بينها يتمثّل في ارتباط مستوى الطموح فيها بشكلٍ وثيق بمدى توافر التمويل ونقل التكنولوجيا. ومن دون ترجمة هدف التمويل الجديد إلى إجراءات ملموسة وقابلة للتنفيذ، ستظلّ العديد من خطط التخفيف والتكيّف مجرّد طموحات نظرية، لا سيّما في الدول التي تعاني من محدودية الموارد والإمكانات المالية.
إضافة إلى ذلك، لا يزال عدد من الدول، التي تحتاج بشكل عاجل إلى استكمال مساهماتها المحددة وطنيًا لتأمين الدعم وتعزيز التعاون والتكامل، في طور إعداد هذه المساهمات، فيما تستمر التأخيرات في الالتزام بالمهل الزمنية المقرّرة.
وعلى صعيد سياسات التكيّف، شهد المؤتمر تحوّلًا ملحوظًا أيضًا، إذ دفع مؤتمر COP30 رسميًا بخارطة طريق باكو للتكيّف (BAR) إلى الأمام، والتي تحدّد برنامج عمل للفترة 2026–2028 لتفعيل الهدف العالمي للتكيّف (GGA)، بما يشمل تطوير المؤشرات، وجمع البيانات، وترتيبات الدعم. غير أن المؤتمر شهد تنازلات كبيرة في ما يتعلّق بالمؤشرات، ولا سيّما تلك المرتبطة بوسائل التنفيذ، حيث تم الاتفاق على 59 مؤشرًا طوعيًا يركّز معظمها على الهشاشة والقدرة على الصمود أكثر من التركيز على التنفيذ الفعلي. وتُعدّ هذه المؤشرات أساسية لقياس التغيّر الواقعي في جاهزية القطاعات، ولمتابعة حجم التمويل المخصّص للتكيّف وكيفية استخدامه، فضلًا عن توجيه الخطط الوطنية لمتابعة إجراءات التكيّف من دون فرض أعباء أو التزامات جديدة على الدول النامية.
أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فما تزال النقاشات الجوهرية المتعلّقة بالنزاعات، وأمن المناخ، والزراعة، والتكيّف، تسير بوتيرة بطيئة للغاية، مما يترك الدول من دون الدعم أو الحوافز الكافية لرفع مستوى طموحها المناخي. ولتمكين المنطقة من مواجهة التحديات المناخية المتصاعدة التي تعيشها بالفعل، بات التحرك العاجل والموجّه ضرورة ملحّة، وهو الأمل الذي ينبغي أن يُحمَل إلى مؤتمر الأطراف الحادي والثلاثين (COP31) المقرّر عقده في مدينة أنطاليا التركية العام المقبل.
وبالنسبة لمنطقتنا، فقد آن الأوان للانتقال إلى دور قيادي إقليمي أكثر فاعلية، وصياغة رؤية عربية مشتركة للعمل المناخي والتكيّف. فاليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، لم يعد التعويل الحصري على مسار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ كافيًا لتأمين دعم التكيّف. ثمة حاجة ملحّة لإطلاق مسارات موازية تُسرّع جهود التكيّف والتمويل على المستويين الإقليمي والوطني، ولا سيّما في العالم العربي. وإلى جانب ذلك، لا بدّ من تكثيف الجهود لحشد الموارد وجمع التمويل إقليميًا، من خلال قنوات وجهات خيرية ومسارات حكومية محتملة لم تُستكشف بعد، بما يعزّز العمل المناخي.
من الهيمنة إلى السيادة… رؤية جديدة لانتقال طاقيٍّ عادل في شمال أفريقيا
اطّلع على التقرير