في عالمٍ أكثر احتراراً بمقدار 1.5 درجة مئوية أو أكثر – وهو عالم من المُحتمل أن نشهده بحلول منتصف القرن الحالي – ستكون المجتمعات الأكثر تعرضاً لمخاطر أزمة المناخ هي تلك المهمشة في الأساس، والتي تعاني من الفقر المتعدّد الأبعاد والجوع والتهجير والبطالة والأمراض وكافة أشكال المظالِم وانعدام المساواة.

أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ تقريرها التجميعي الأخير ضمن تقرير التقييم السادس. وهو التقرير الذي يدمج ويلخّص نتائج التقارير الستة الصادرة عن الهيئة خلال دورة التقييم السادسة التي انطلقت عام 2018، مع الإشارة إلى أن الهيئة تصدر تقريراً تقييميّاً كل 5 إلى 7 سنوات.

لم يقدّم لنا التقرير التجميعي أي شيء خارج عن المألوف؛ فالنتائج الجوهرية التي سبق وأن تطرّقت إليها التقارير السابقة تخلص إلى أن تغيّر المناخ “يسير بخطىً سريعة” أي أسرع من المتوقع، وهو “يشكّل تهديداً لرفاهية الإنسان وصحة الكوكب”، لكنه يؤكد مجدداً الحاجة المُلحّة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة في إطار التصدي لأزمة المناخ، أبرزها تمويل جهود التكيّف والتخفيف وتوفير الأموال اللازمة لتمويل صندوق الخسائر والأضرار.

 في الواقع، تكمن أهمية التقرير الأخير في تحديد المراجعات التي يتعيّن على الدول الأطراف القيام بها بشأن أهداف اتفاقية باريس، بما في ذلك هدف 1.5 درجة مئوية، والإبلاغ عنها للتقييم العالمي لعام 2023 الذي تديره اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. والحال أن المراجعات عموماً تبيّن أن التّقدم المحدود في التكيّف على صعيد عالمي غير منتظم حتى الآن، فضلاً عن  اتساع الفجوة بين الإجراءات المطلوبة والضرورية لمواجهة أزمة المناخ وبين ما يتمّ تطبيقه حالياً. 

انطلاقاً من هذه المراجعة، أطلق التقرير الأخير تحذيراً جديداً من المسار الذي يتجه إليه الكوكب، وهو حتمية تجاوز هدف 1.5 درجة بين عامي 2030 و2052، ما لم يتمّ تقليص انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة تصل إلى 45% بحلول عام 2030 بالمقارنة مع المستوى السائد حالياً، مشدداً على أن الأعوام الثمانية المقبلة ستكون حاسمة وستقرّر مصير الكوكب لآلاف السنوات المقبلة.

كيف سيبدو العالم في حال تجاوز الاحترار العالمي هدف 1.5 درجة؟

يتردّد مصطلح “1.5 درجة مئوية” كثيراً بين أوساط العلماء وفي مؤتمرات المناخ العالمية، لكن كثيرين لا يعلمون ما يعنيه هذا المؤشّر. ألزم اتفاق باريس للمناخ المُبرم عام 2015 موقّعيه بالسعي إلى مواصلة الجهود لئلا يتجاوز معدل حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية، كهدف أساسي في إطار مكافحة الاحتباس الحراري. لكن تنفيذ هذا التعهّد لا يبدو قابلاً للتحقق، طالما أن قادة العالم لم يلتزموا بعد بخفض الانبعاثات بنسبة 45% بحلول عام 2030 مقارنةً بمستويات عام 2010، كما يوصي تقرير الهيئة.

نظرياً، قد لا تبدو نصف درجة إضافية من الاحترار بالحدث الجلل الذي قد يُحدث اختلالاً كبيراً في النُّظم البيئة حول العالم. لكن من المتوقّع، وفق تقرير الهيئة التجميعي، أن يكون القطب الشمالي خالياً من الجليد خلال فصل الصيف مرة واحدة كل قرن إذا تجاوز الاحترار حدّ 1.5 درجة. وفي حال تجاوزنا الحدّ بمقدار درجتين أو أكثر، سيكون معدّل تكرار ذوبان الجليد مرة واحدة على الأقل كل 10 أعوام. 

في عام 2018، وفي دراسة نُشرت في دورية “نيتشر – كلايمت تشاينج” (Nature Climate Change)، حاول فريق بحثي بقيادة الباحث في علم المناخ، درو شيندال، تحديد المعاناة التي يمكن تجنّبها إذا تم الحفاظ على الاحترار عند حدّ 1.5 درجة، بدلاً من درجتين. النتيجة التي توصلوا إليها حينذاك كانت واضحة: أكثر من 150 مليون شخص سيموتون بسبّب تلوّث الهواء والإجهاد الحراري الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة، إذا تخطّى الاحترار مقدار درجتين بالمقارنة مع احترار لا يتجاوز هدف 1.5 درجة. في وقت لاحق من ذاك العام، رفع تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (الأول ضمن الدورة السادسة)، الصادر حينذاك، هامش المخاطر والتوقعات نحو الأسوأ، مبيّناً أن مئات الملايين من الأرواح معرضة للخطر في حال تجاوز الكوكب نصف درجة إضافية فقط من الاحترار!

فلنعد إلى توقّع دراسة شيندال الأقل سوءاً ولنقف عند ما يعنيه ذلك. بالنسبة للأشخاص الذين لا يدركون الكارثة التي يحملها هذا المؤشر، فإن 150 مليون هو أكثر من ضعفي ضحايا الحرب العالمية الأولى، المُصنّفة أحد أكثر الصراعات العسكرية دموية على مرّ التاريخ. كما يجب أن نلاحظ أن الأرقام لا تبدأ في الارتفاع فقط عندما نصل إلى 1.5 درجة، إذ إن أعداد الضحايا مستمرة في الارتفاع وبدأت تتراكم بالفعل بمعدّل سبعة ملايين حالة وفاة على الأقل سنوياً، بسبب تلوّث الهواء وحده.

في الإطار عينه، ووفق إحدى السيناريوهات التي يشير إليها تقرير سابق للبنك الدولي، يمكن أن يؤدي تجاوز درجتين مئويتين إلى دخول 45 مليون شخص في الهند وحدها إلى دائرة الفقر بحلول عام 2030 من جَرّاء الصدمات الزراعية والأمراض الناجمة عن التغيرات المناخية.

في كتابه “الأرض غير الصالحة للسكن”، يقول الكاتب ديفيد والاس-ويلز إن تجلّيات أزمة المناخ ستكون أكثر دراماتيكية في جميع أنحاء دول الشرق الأوسط، حيث سجل مؤشر الحرارة في عام 2015 في دول شرق أوسطية عدة درجات حرارة تصل إلى 74 درجة مئوية. وبحسب الكاتب، “إذا فشل العالم في تحقيق هدف 1.5 بعد مرور بضعة عقود من الآن، سيصبح أداء مناسك الحجّ، على سبيل المثال، مستحيلاً بالنسبة لمليوني مسلم يؤدون الفريضة كل عام”. وهذا المثال هو بمثابة عيّنة بسيطة مما ينتظر منطقتنا في المستقبل.

العدالة في صلب الاستجابة المناخية

مرة جديدة، وبالاستناد إلى وقائع علمية مُنذرة بالأسوأ، يعيد تقرير الهيئة تذكير البشر بما يعرفه قادة العالم منذ فترة طويلة: تداعيات أزمة المناخ قاتلة، وهي مدفوعة بالوقود الأحفوري. غير أننا لسنا بالمطلق عاجزين عن مواجهة هذا التهديد. ومن المعروف أنه بات لدينا حلول متاحة لبناء عالم يتجاوز النفط والغاز والفحم في المدى القريب، وقد تم تجربتها بنجاح.

مما لا شك فيه أن تأثيرات تغيّر المناخ أصبحت أكثر خطورة وهي تزهق أرواح الملايين سنوياً، خصوصاً في البلدان الفقيرة والهشة، حيث يواجه الأفراد والمجتمعات – الأقل مساهمة في الانبعاثات – أسوأ آثارها. الفيضانات وموجات الحر وحرائق الغابات والعواصف الكارثية ستستمر وستصبح أكثر تواتراً وأكثر حدّة ما لم تُتّخذ إجراءات سريعة للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري والتحوّل إلى الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة المتجددة.

انطلاقاً من هذه الحقيقة، يقرّ تقرير الهيئة على أن التعامل مع الأزمة يستوجب معالجة أوجه عدم المساواة المتفاقمة في عالمنا والعمل للقضاء على الفقر والإقصاء والتمييز. وبمعنى أوضح، على الدول الغنية التي تتحمّل المسؤوليّة الكبرى من نسب الانبعاثات والتي تسببت على مدى العصور بهذه الأزمة، أن تلتفت إلى معاناة المجتمعات ودول الخطوط الأمامية المحرومة والمعرضة للتمييز بشكل عام. ويُقصد بذلك الدول التي تواجه في الأساس تأثيرات غير متساوية للأزمة من جراء عوامل اقتصادية وسياسية كامنة، أبرزها العواقب الدائمة للاستعمار وإرثه المتمثل في التوزيع غير المتكافئ للموارد.وعليه، فإن المطلوب من الحكومات ليس اتخاذ المزيد من الخطوات الإضافية، بل تطبيق تحوّلات شاملة في أنظمة الطاقة والغذاء والصناعة والنقل والاقتصاد التي توفر تنمية متكافئة ومرنة مع تغيّر المناخ للمجتمعات المتضرّرة. وهي تحوّلات تندرج أيضاً في إطار تخفيض الانبعاثات إلى نصف المستويات الحالية قبل منتصف القرن الحالي، دون أي تأخير.

تصدى لظاهرة تغير المناخ!

ان تأثير تغير المناخ بدأ بالظهور أكثر وأكثر…من موجات الحرارة  المتطرفة الى الجفاف والفيضانات التي تمتد على عواصم ومناطق عدة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

انضم إلينا