أصدرت أعلى محكمة في العالم رأياً استشارياً تاريخياً يحدّد التزامات الدول في مواجهة حالة الطوارئ المناخية. ويقدّم قرار محكمة العدل الدولية حماية غير مسبوقة تُعزّز من مسؤوليات الدول بموجب القانون الدولي، متجاوزًا ما ورد في اتفاق باريس، من خلال إدراج التزامات إضافية رئيسية، أبرزها واجب منع الأضرار البيئية الجسيمة وضرورة التعاون الدولي.
يُلزم قرار المحكمة الدول بتنظيم وضبط أنشطة الشركات بما يمنع الأضرار الناجمة عن انبعاثاتها، بغضّ النظر عن مكان وقوع الضرر. والأهم من ذلك، أنّ المحكمة اعتبرت الحق في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة حقًا أساسيًا تُبنى عليها جميع حقوق الإنسان الأخرى. وأكّدت أيضًا أنّ مبدأ العدالة بين الأجيال يجب أن يُوجِّه تفسير جميع الالتزامات المناخية.

تعليقًا على قرار محكمة العدل الدولية، صرّحت المديرة التنفيذية لمنظّمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غوى النكت، بما يلي:
“تُقدِّم محكمة العدل الدولية الآن فرصةً تاريخية لتغيير مسار العدالة المناخية. فمن خلال رأيها الاستشاري، تُحدِث المحكمة تحوّلًا جذريًا في الطريقة التي ننظر بها إلى قضية العمل المناخي – ليسَ كعملٍ خيري، بل كواجبٍ قانوني وأخلاقي مُلزِم في إطار القانون الدولي.
لطالما شهدت المفاوضات الدولية بشأن المناخ تأخيرات كثيرة وضعفًا في الالتزام – ممّا أدّى إلى حرمان المجتمعات المتضرّرة، ولا سيّما في دول الجنوب العالمي، من العدالة التي تُعَدّ حاجةً مُلِحَّة بالنسبة لهم. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لم يعُد التخاذل خيارًا ممكنًا، إذ ترتفع درجات الحرارة بوتيرةٍ تُساوي ضعف المعدّل العالمي في ظلّ موجات الجفاف ونقص المياه والهشاشة الاجتماعية-الاقتصادية.
منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليست غائبة عن مشهد الدفاع عن العدالة المناخية، بل تضمُّ عددًا من الأصوات الرائدة في هذا المجال. ولا شكَّ في أنَّ المُداخَلة التي أدلت بها مصر في كانون الأوّل/ديسمبر أمام محكمة العدل الدولية تُشكِّل نموذجًا عن القيادة المبنيّة على القِيَم في الدفاع عن العدالة المناخية – انطلاقًا من مبادئ القانون الدولي، ولا سيّما قاعدة “عدم الإضرار” التي تُلزِم الدول بالوقاية من مخاطر الأضرار البيئية التي قد تلحق ببلدان أخرى، والحدّ منها وضبطها، إلى جانب مبدأ “المسؤوليات المشتركة وإنْ كانت متباينة” للدفع باتّجاه استجابة أكثر عدلًا وإنصافًا. وفي حين حاولت البلدان الغنيّة، المسؤولة تاريخيًا عن التلوّث، أن تحصر رأي المحكمة في أسئلةٍ تقنية ضيّقة، دافعت مصر عن رؤية أوسع قائمة على العدالة – رؤيةٌ تُطالِب بالمساءلة والتعويض والحماية للمجتمعات الأكثر تضرُّرًا من تغيُّر المناخ.
يُعتبَر هذا الرأي الاستشاري المفصلي تذكيرًا حاسمًا بأنَّ القانون الدولي هو أداة فعّالة لتحقيق العدالة المناخية. فهو يسعى إلى إعلاء أصوات المجتمعات الهشّة، ويُحمِّل المسؤولية لكبار المُلوِّثين، ويُساهِم في ترسيخ مبادئ الإنصاف والشمول في العمل المناخي.
ومع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر الأطراف في دورته الثلاثين في بيليم بالبرازيل، تُذكِّرُنا إجراءات المحكمة بأنَّ العدالة المناخية الحقيقية تتطلّب أكثر من مجرّد وعود رنّانة – فهي تقتضي المساءلة والمحاسبة الجدّية. بالتالي، نأمل أن تُمثِّل هذه الخطوة بدايةَ فصلٍ جديد نحو مستقبل مناخي عادل، حيث تكون الأنظمة القانونية جزءًا لا يتجزّأ من الحلّ المنشود”.

ميثاق الملوّث يدفع
وقّع الميثاق، وانضم إلى الحركة العالمية لإلزام الملوّثين بدفعِ ثمن ما تسببّوا به.