رغم الإمكانيات الهائلة للطاقة المتجدّدة والأهداف الطموحة في مصر وتونس والمغرب، تبقى التحولات في الطاقة مدفوعة بنماذج ومصالح خارجية قائمة على الربح السريع والتصدير. فالتكنولوجيا تدفع الانتقال الطاقي وتقوّي أدواته التقنية، بينما تظلّ موازين القوة على حالها، ممّا يعيد إنتاج أنماط الظلم والاعتماد واللامساواة نفسها التي خلّفتها عقود من استخراج الوقود الأحفوري، لكن هذه المرّة تحت غطاءٍ “أخضر”.

يسلّط تقرير غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الجديد، “من أمن الطاقة إلى السيادة الطاقية: مسارات الانتقال العادل في مصر والمغرب وتونس”، الضوء على أن التحوّل نحو الطاقة المتجدّدة في المنطقة ما يزال محكومًا إلى حدّ كبير بسيطرة المستثمرين الأجانب والمؤسسات الدولية.

ورغم بدء مصر وتونس والمغرب في استحداث مشاريع للطاقة المتجدّدة، يكشف التقرير أنّ هذه التحوّلات ما تزال تُعطي الأولوية للأسواق الأوروبية ولعائدات التصدير على حساب الاحتياجات المحليّة، مما يُبقي السلطة والتكنولوجيا والأرباح خارج منطقة شمال أفريقيا إلى حدّ كبير.

يعتمد التحقيق على مؤشر سيادة الطاقة لتحليل مَن يسيطر على الموارد ومَن يستفيد منها، وكيف تُقيَّد القرارات السياسية. كما يَرسُم خريطة لسلاسل قيمة الوقود الأحفوري ومزيج الطاقة الحالي ومشروعات الطاقة المتجدّدة الكبيرة، ليُظهر أن دول شمال أفريقيا المذكورة تتبنّى تقنيات جديدة في مجال الطاقة بسرعة، بينما التغييرات المعتمدة في قواعد توزيع السلطة بطيئة. كذلك، يبيّن أن العديد من “الحلول الزائفة” أو “المُضلّلة” المطروحة، مثل احتجاز الكربون أو مشروعات الطاقة المتجدّدة المُخصخصة والشاملة، تعمّق التبعية للخارج وتترك المجتمعات المحلية بأقل قدرٍ من الفوائد.

من جانب آخر، لا يغفل التقرير تحديد مسارات عملية لتحقيق انتقالٍ عادلٍ للطاقة، من بينها: وقف التوسّع في استكشاف الوقود الأحفوري، إعطاء الأولوية لتلبية الطلب المحلي، وتوسيع أنظمة الطاقة المتجددة اللامركزية مثل أنظمة الطاقة الشمسية على الأسطح والشبكات المُصغّرة، وضمان استفادة المجتمعات والعمّال مباشرة. كما يشير إلى أدوات تمويل مثل ضرائب تقوم على مبدأ “الملوّث يدفع” والتقاضي الاستراتيجي وآليات تقاسم العائدات، للمساهمة في تحويل الأرباح الخاصة إلى إصلاحاتٍ عامة وحماية بيئية ومنافع اجتماعية.

ويُبرز التقرير أن الانتقال الطاقي في شمال أفريقيا تحدٍّ حوكمي بقدر ما هو تحدٍّ تقني؛ إذ يجب أن تُوفّر الأصول العامة والعقود والشبكات الكهربائية منافع ملموسة للمجتمعات. ويمكن للشفافية، والسياسات التي تعطي الأولوية للاحتياجات المحلية، والتعاون الإقليمي أن تضمن أسعارًا عادلة، حقوقًا للعمال، وحماية للأنظمة البيئية.

ختاماً، يؤكد التقرير أن شمال أفريقيا قادرٌ على تلبية احتياجاته من الطاقة وتحقيق أهدافه المناخية، لكن فقط إذا كانت السيادة والعدالة والمساءلة في صلب عملية الانتقال الطاقي.

أمّا الخلاصات الأساسيّة مِن التقرير فهي كالآتي:

  1. وتيرة التحوّل التكنولوجي في المنطقة تتجاوز التغيّر في موازين القوة.

على الرغم من توسّع مشاريع الطاقة المتجدّدة في مصر وتونس والمغرب، ما تزال الملكية والأرباح والقرارات الاستراتيجية تتركّز في يد المستثمرين الأجانب والمؤسسات المالية الدولية، ضمن اتفاقيات موجَّهة أساسًا لخدمة أسواق التصدير. ويفرض هذا الواقع أن يجري “انتقال طاقي” من دون أيّ تغيير في من يمتلك السلطة الحقيقية.

  1. الدول الثلاث تعاني فجوة واضحة في السيادة الطاقية.

بحسب مؤشر السيادة الطاقية، الذي تمَّ من خلاله تقييم الدول الثلاث في شمال أفريقيا بناءً على متوسّط نقاط من 10، سجّلت مصر 4.5 نقاط من 10، وتونس 4.25 من 10، والمغرب 5.5 من 10. وتعود نقاط الضعف الأساسية إلى محدودية السيطرة على الموارد وضعف الاستقلالية في وضع السياسات، مما يعكس مدى نفوذ الفاعلين الخارجيين في تحديد مسار الطاقة.

  1. مشاريع الهيدروجين والطاقة المتجدّدة الموجَّهة للتصدير تهدّد بخلق “مناطق تضحية خضراء”.

 العديد من المشاريع الضخمة للطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين، خصوصًا في مصر والمغرب، يتم تطويرها في الأساس لتلبية احتياجات الأسواق الأوروبية. وغالبًا ما تخسر المجتمعات المحلية أراضيها ومواردها المائية من دون أن تجني مقابلاً مالياً يُذكر، ممّا يفاقم مخاطر إعادة إنتاج أنماط “الاستعمار الأخضر”.

  1. الاعتماد على الوقود الأحفوري لا يزال مهيمنًا رغم الإمكانات المتجدّدة الهائلة.

لا يزال الوقود الأحفوري يوفّر 94% من احتياجات الطاقة في مصر، و88% في تونس، و91% في المغرب. وفي ظلّ هذا الواقع، نجد أنّ مصر عالقة في الاعتماد على الغاز، وتونس في الاستيراد، والمغرب في الاعتماد على الفحم. لذا يُعدّ التنويع العميق لمزيج الطاقة شرطًا أساسيًا للمضي قدماً في العمل المناخي وتعزيز السيادة.

  1. الحلول الزائفة تعرقل مسار الانتقال الحقيقي.

يحذّر التقرير من نهج “الحلول المضلِّلة” مثل احتجاز الكربون وتخزينه، والهيدروجين الأزرق، وإعادة تموضع الشركات النفطية عبر حملات تسويقية. كما تُبقي نماذج التعاقد مثل عقود “الشراكة بين القطاعين العام والخاص” (PPP) و”البناء والتملك والتشغيل” (BOO) الأرباح في يد الجهات الأجنبية على حساب المنفعة العامة.

  1. الفوائد المجتمعية من المشاريع الطاقية تكاد تكون معدومة.

لا تنال المجتمعات المحلية سوى 1 إلى 3 سنتات فقط من كل دولار من عائدات الوقود الأحفوري، فيما نادرًا ما تتيح مشاريع الطاقة المتجدّدة الضخمة أي فرص جدّية للملكية المحلية أو لتقاسم الأرباح أو لتحقيق مكاسب تنموية ملموسة ومستدامة.

  1. السياسات الوطنية للطاقة تتشكّل إلى حدّ كبير وفق شروط صندوق النقد والتمويل الخارجي.

إصلاحات الدعم، هيكلة التعرفة، واستراتيجيات الهيدروجين في الدول الثلاث تخضع لتأثير واضح لبرامج صندوق النقد الدولي وأولويات الطاقة الأوروبية ومتطلبات الجهات المانحة، مما يقيّد قدرة هذه الدول على رسم سياسات طاقية مستقلة ترتكز إلى مصالحها الوطنية الفعلية. 

  1. الطاقة المتجدّدة اللامركزية والمملوكة من المجتمعات هي المسار الأكثر فاعلية نحو ترسيخ السيادة، لكنّها ما تزال مهمّشة.

تُقدّم أنظمة الطاقة الشمسية على الأسطح، والشبكات المصغّرة، والطاقة الشمسية الزراعية، والتعاونيات القروية، ونماذج الطاقة البلدية حلولًا واضحة تقوم على التحكّم المحلي والمشاركة المجتمعية. ومع ذلك، لا تحظى سوى بقدرٍ ضئيل من الاهتمام مقارنةً بالمشاريع العملاقة الموجّهة للتصدير.

  1. تحقيق العدالة والسيادة يستوجب آليات مُساءلة مُلزمة، لا وعوداً فارغة.

يشدّد التقرير على ضرورة اعتماد آليات واضحة وملزمة، تشمل تحديد حدّ أدنى إلزامي للاستهلاك المحلي، وتوزيع أرباح مباشرة على المجتمعات، ووضع آليات لتقاسم العائدات، مثل تخصيص من %15 إلى 25% من إنتاج الطاقة للمستخدمين المحليين، وتمويل صناديق مجتمعية بجزء من إيرادات المشاريع.

  1. ضرورة وجود آليات قانونية ومالية تفرض الالتزام بديون المناخ من أجل انتقال عادل.

إن تطبيق مبدأ “الملوِّث يدفع”، واللجوء إلى التقاضي الاستراتيجي المستند إلى الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية لعام 2025، وغيرها من آليات المُساءلة، يضمن محاسبة الدول والشركات التي تتحمّل مسؤولية تاريخية عن الأضرار المناخية.

وقّع ميثاق الملوّث يدفع!

ندعوكم إلى إلزام شركات النفط والفحم والغاز بدفع حصّتها العادلة مقابل الأضرار التي تسبّبت بها للبيئة والمناخ.

أضف اسمك الآن!