إنَّ أزمة فيروس كورونا التي تواجهها منطقتنا ومعظم أقطار العالم تطالُ كلَّ فردٍ منّا في حياتنا اليومية، إمَّا لأنَّنا نُواصِل العمل من أجل الاعتناء بالآخرين وتلبية احتياجاتهم الأساسية، وإمّا لأنَّنا مُحاصَرون، وأحيانًا في ظروف بالغة الصعوبة. في الأوقات العسيرة، تكمنُ قوّتُنا أيضًا في قدرتِنا على الحفاظ على فطنة الإدراك، وعدم قبول أيّ ردّ سياسي عندما سنتحدّث عن أزمة فيروس كورونا بصيغة الماضي. بدأَتْ ترتسم بعض الخطوط الأولى للتعافي والنهوض. ومن مسؤوليتنا أن نحرص على أن تكون هذه النهضة صديقة للبيئة، ومنصفة، وقائمة على أُسُس مدنية عادلة. اليوم، ينصبُّ التركيز على الروابط بين فيروس كورونا ونظامنا الغذائي وظاهرة زوال الغابات الناجمة عن الأنشطة الصناعية. 

هل من رابط قائم بين فيروس كورونا وتدمير التنوّع البيولوجي؟ 

في حالة وباء كوفيد-19 بالتحديد، ما من رابط مؤكّد بينه وبين تدمير النُظُم الإيكولوجية. ولكنْ في المقابل، لا شكَّ في أنَّ تدهور النُظُم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي هو عاملٌ يُعزِّز تطوُّر الأمراض المُعدية ذات المصدر الحيواني. في الواقع، تؤدّي بعض الأنشطة البشرية، مثل إزالة الغابات أو الزراعة الصناعية، إلى تدمير النُظُم الإيكولوجية الطبيعية. بالتالي، تُساهِم في زيادة احتكاك الإنسان بالحيوانات البرّية والفيروسات التي قد تحملها، ما يزيد من احتمال انتقال العدوى إلى الإنسان. فعلى الرغم من أنَّ إزالة الغابات لم تندرج حتّى الآن ضمن أسباب تفشّي وباء كوفيد-19، إلَّا أنَّها ساهمت في تطوُّر العديد من الأمراض المُعدية، مثل الملاريا أو إيبولا.  

بالتأكيد، لا يتمثّل الحلّ في القضاء على الحيوانات البرّية، بل حمايتها وحماية بيئتها الطبيعية. فكلّما ازدادت حماية التنوّع البيولوجي والنُظُم الإيكولوجية الطبيعية، ينخفض خطر انتشار الأوبئة. وهذا سببٌ إضافي يحثّنا على وضع حدّ لإزالة الغابات من خلال إقرار سياسات عامّة في هذا الصدد. 

هل من رابط مؤكّد بين فيروس كورونا ومزارع الحيوانات الصناعية؟ 

ما من رابط مؤكَّد حتّى الآن. لكنَّ الكوفيد-19 هو مرضٌ حيوانيّ المنشأ: فهو مرضٌ ناتجٌ عن فيروس منقول إلى الإنسان بواسطة الحيوان. ولقد ثبت أنَّ مزارع الحيوانات الصناعية، المدفوعة باستهلاكنا المفرط للحوم والبيض ومنتجات الألبان والأجبان، قد ساهمت في انتشار الأمراض ذات المنشأ الحيواني، مثل انفلونزا الطيور. وتُشير التقديرات إلى أنَّ 73% من مجمل الأمراض المُعدية الجديدة هي أمراض ناجمة عن الحيوانات. فالمزارع الصناعية تزيد من انتقال الأمراض، لا سيّما مزارع الدجاج والخنازير التي تتمّ تربيتها بأعداد كبيرة جدًا ضمن مساحةٍ ضيّقة ويتمّ الاتّجار بها عبر مسافات بعيدة.

فإذا كانت مزارع الحيوانات ليست سببًا لانتشار الوباء الحالي، إلَّا أنَّ هذه الأزمة تُذكِّرُنا بهشاشة النموذج القائم على الإنتاج المكثّف، الذي يستند إلى كمّيةٍ هائلة من المدخلات لصناعة منتجاتٍ مُعَدَّة للتصدير. لذلك، لا بدَّ من أن يتطوّر نظامنا الغذائي نحو مزيدٍ من الاستقلالية والصمود في مواجهة الأزمات.

هل تؤدّي هذه الأزمة الصحّية إلى تغيير عاداتنا الغذائية؟ 

تبدو الصورة متباينة من ناحية عاداتنا الغذائية. فبالنسبة إلى الأُسَر الأكثر حرمانًا، لا شكَّ في أنَّ التراجُع المُحتمَل في المداخيل، الذي يُعزى إلى هذه الأزمة، سيُصعّب الحصول على غذاء صحّي ومتوازن. كذلك، فإنَّ توقُّف الوجبات المدرسية يمثّلُ مشكلةً حقيقية، وبخاصّة لدى الأطفال الذين لا يتناولون وجبةً متوازنة طيلة النهار سوى الوجبة التي كانت تُقدَّم لهم في مطبخ المدرسة. 

وفي الوقت نفسه، تشهد سلاسل الإمداد القصيرة ازدهارًا ملحوظًا، إذ يُعتبَر البيع المباشر في مواقع الإنتاج أو توصيل الطلبات حلًّا شائعًا في ظلّ هذه الأزمة الصحّية. ربّما هي فرصةٌ لاكتساب عادات استهلاكية جديدة وسليمة من الناحيتَيْن الاجتماعية والبيئية، إنّما أيضًا لتعزيز الروابط بين المزارعين والمُزارِعات وزبائنهم. 

لم يشهد الطهو المنزلي اهتمامًا واسعًا كما يحصل الآن وكما تُظهِر توجّهات البحث عبر الإنترنت. وتُعَدّ هذه الممارسة ضرورية لاستعادة نظام غذائي صحّي ومستدام. فلنستفِد إذًا من الوقت المُتاح لدينا لتجربة وصفات جديدة!

هل يؤثّر وباء كوفيد-19 على نظامنا الزراعي؟

نعم، وبشكلٍ ملحوظ. فقد بدأنا بالفعل نلمس تأثير فيروس كورونا على الزراعة، ومن نواحٍ كثيرة. فنظرًا إلى إغلاق المطاعم والمؤسّسات التي تُعنى بتقديم الوجبات، وتعليق المناسبات العامّة، وتباطؤ الصادرات بسبب الأزمة الراهنة، تتراجع إمكانية تصريف المنتجات بالنسبة إلى العديد من المُنتِجين، وخاصّةً منتجات اللحوم والحليب والبطاطا، وهي قطاعات قائمة على الإنتاج المفرط والتصدير. بالإضافة إلى ذلك، تطرأ مشكلةٌ حقيقية من ناحية حصاد الفواكه والخضار في ذروة الموسم، وهي عمليةٌ كانت تُنفَّذ عادةً بمساعدة يد عاملة، أغلبيتها من الأجانب، وقد باتت هذه اليد العاملة غير متوفّرة اليوم. 

من خلال تعداد عيّنة من المشاكل التي تُسبِّبها هذه الأزمة الصحّية، أصبحَ واضحًا مدى ضعف وهشاشة نظامنا الزراعي الذي لا يتمتّع بقدرٍ كافٍ من الاستقلالية ولا يعتمد على الإنتاج المحلّي.  

ماذا تكشف لنا أزمة فيروس كورونا عن نظامنا الزراعي والغذائي؟

تُبيِّن لنا هذه الأزمة إلى أيّ درجة يعتمد نظامُنا الغذائي على التجارة الدولية وعلى الإنتاج الصناعي، ما يجعله هشًّا وضعيفًا بصورة خاصّة. تعملُ سلاسلُ التوريد بوتيرةٍ بطيئة: فالقيود المفروضة على حركة البضائع والرامية إلى مواجهة الوباء لم تعُد تسمح للزراعة في فالونيا بالحصول على الإمدادات وبيع إنتاجها بشكل طبيعي. إذًا، تتجلّى هشاشة نظامنا الزراعي من خلال اعتماده على ظاهرة العولمة التي ترتكز على نقل الأغذية والحيوانات على مسافاتٍ طويلة. كذلك، فإنَّ هذه الأزمة تكشف النقاب عن ضعف تنظيم العمل في زراعتنا التي تستعين بدرجة كبيرة باليد العاملة الأجنبية، في ظلّ استحالة قدومها إلى أراضينا اليوم. وفي مواجهة الوباء، لا يتمّ التعامل مع أنظمة التوزيع على قدم المساواة: فقد فُرِضَت تدابير صحّية صارمة جدًا بشأن الأسواق التي اضطُرَّت إلى الإغلاق في بعض الحالات. فكانت بمثابة ضربة قاضية لصغار المنتجين.

أخيرًا، يُذكِّرُنا هذا الوباء بأنَّ الزراعة الصناعية ترتكز على نظامٍ يُعرِّضُنا لظهور أمراض حيوانيّة المنشأ. والواقعُ أنَّ استيراد بعض السِلَع لإمداد نظامنا الزراعي والغذائي، مثل الصويا للتعذية الحيوانية، يُساهِم في إزالة الغابات. كما أنَّ تدمير الموائل الطبيعية يمكن أن يُعزِّز ظهور الأمراض الحيوانيّة المنشأ، كما سبقت الإشارة. فماذا لو عملنا على تطوير نظامنا الزراعي والغذائي لصالح الجميع؟

لا جدوى من الاستمرار في مسار التصنيع وتحرير زراعتنا. لقد آنَ الأوان لمنح العالم قطاعًا زراعيًا قادرًا على الصمود وعلى التصدّي للأزمات الصحّية بشكلٍ أفضل، وتأمين إنتاج غذائي مستدام من الناحيتَيْن الاجتماعية والبيئية، ما يضمن حصول الجميع على غذاء صحّي وسليم. وعليه، ينبغي على السياسات العامّة أن توجّه الزراعة نحو هذا المسار. 

إنضم إلى الحراك!

من أفراد مهتمين بحماية كوكبنا وتحقيق السلام العالمي والوصول الى التغيير الإيجابي من خلال التحرك الفعلي! معاً لن يستطيع احد ايقافنا. غرينبيس هي منظمة مستقلة تعمل على إحداث التغيير في السلوك والتصرفات، بهدف حماية البيئة والترويج للسلام العالمي.

انضم إلينا