كل شهر نطلب من متابعينا في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن يخبرونا كيف يلتمسون آثار تغيّر المناخ. بطبيعة الحال، لا يمكن أن تُعزى كل هذه الأمثلة إلى تغيّر المناخ وحده، لكن التصوّرات والتجارب والوقائع المختلفة للناس في منطقتنا تساعدنا على اكتساب معرفة عامة لكل الأنماط المتعدّدة والمتشابهة التي يرون من خلالها تغيّر المناخ، والتي تؤثّر على حياتهم ومحيطهم.
نخطّط لنشر هذه المدوّنة شهرياً – إذا كنت ترغب في مشاركة تجربتك الخاصة، أخبرنا هنا.
براعم أزهار اللّوز في البقاع اللبناني تفتّحت في غير أوانها
الشّتاء في البقاع اللبناني هذا العام لم يكن مختلفاً كثيراً عن الأعوام القليلة السابقة، على الأقلّ، لناحية الاضطرابات المناخية التي أثّرت في نسبة هطول الأمطار، وانعكست بدورها على القطاع الزراعي. هذه هي الصورة التي يرسمها لنا المزارع اللبناني ياسين صوان، الذي تحدّث عن “تراجع إنتاج القمح والشعير في محافظة البقاع بسبب تراجع نسبة الأمطار”. ويقول: “اعتدنا أن يكون شباط عاصفاً ومليئاً بالخيرات (يقصد أمطاراً غزيرة). لكن هذا العام لم تتساقط خلال الشهر نسبة وافرة من الأمطار، رغم أن المنطقة شهدت عاصفة رعدية كانت شديدة الجفاف والبرودة، لكنها قليلة الأمطار”.
إلى بلدة زحلة – البقاعية أيضاً – تأخذنا رنين فريجة التي التمست “تأّخّر وصول الشتاء هذا العام”، وتقول إن “الحالة الجوية خلال شباط كانت ربيعيّة بامتياز”. وبرأيها، هذا الاضطراب المناخي قد يكون السبّب في “تفتّح براعم الأزهار في معظم بساتين اللوز في منطقتنا باكراً، خلافاً لما اعتدناه في هذه الفترة من السنة”. في شهادتها، تقول رنين إن معظم مالكي تلك البساتين “كانوا يتخوّفون من عاصفة ثلجيّة وجليديّة تقضي على براعم أزهار اللوز. وكانوا محقّين في خوفهم، إذ شهدت زحلة عاصفة ثلجيّة في شهر شباط تحمل معها موجة صقيع، حيث تدنّت درجات الحرارة إلى ثماني درجات دون الصفر (8-)”. وبالنتيجة، تكبّد المزارعون “خسارة كبيرة في المحاصيل، كما تضرّر أصحاب هذه البساتين من الناحية المادية”. ويذكر في هذا الإطار أن البراعم يجب أن تمرّ بفترة من الطقس البارد نسبياً لكي تُزهر أشجار اللوز مع حلول الربيع، إلا أن موجات الصقيع القاسية يمكن أن تُتلف الأزهار وتقضي على الموسم برمّته.
قناديل البحر تصل باكراً إلى الشواطئ التونسية
قد لا تكون المرة الأولى التي تستبق فيها قناديل البحر موعد حضورها المعتاد إلى شواطئ المتوسّط، والذي يحلّ عادة في شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس. لكن ظهورها باكراً جداً هذا العام عند الشواطئ التونسية كان شديد الغرابة بالنسبة لكاميليا مثلولي. صباح الأحد في 19 شباط/فبراير، سافرت كاميليا برفقة زوجها إلى شاطئ سيدي علي المكّي، التي تقع شمال تونس وتتبع إدارياً لولاية بنزرت. وعند حلول الظهيرة، لاحظت السيّدة “وجود عدد كبير من قناديل البحر الميّتة تطفو على سطح الماء”، فيما حملت الأمواج عدداً كبيراً من القناديل الحيّة نحو الشاطئ.
وفق روايتها، “لم يكن من الشائع رؤية قناديل البحر في شباط/فبراير. في العادة، تبدأ في الظهور في أيار/مايو، أو أقلّه عندما يصبح الطقس أكثر دفئاً”. لكنها سرعان ما تستدرك، وتقول: “في الحقيقة، ذاك اليوم كان يوماً دافئاً جداً، حتى أن البعض خرجوا إلى البحر للسباحة. كل هذه الملاحظات بدت غير عادية”. بنهاية اليوم الطويل، تبادلت كاميليا أطراف الحديث حول الظاهرة الغريبة مع رجلاً محلياً، افترض بدوره أن “الظّهور المبكر لقناديل البحر كان بسبب ارتفاع درجة حرارة المياه عن المعتاد في هذا الوقت من السنة”، وهو ارتفاع يُعزى برأيها إلى “تأثير الاحتباس الحراري”.
يقطن فوزي سوف في مدينة قبلي، جنوب تونس، وله من العمر 65 عاماً، يستعيد منها أول أيام شبابه ليستذكر أحوال المدينة، ويقول: “كانت لدينا ينابيع وآبار ارتوازية، وكانت لنا واحات غنّاء عامرة بالخضرة. ورغم أن نسبة هطول الأمطار كانت ضعيفة إلى حدّ ما، إلا أنها كانت كافية لإنتاج العديد من أنواع الحبوب (يُقصد بها إنتاج القمح والذرة والأرز والشعير…)”. منذ أعوام قليلة فقط، يقول فوزي إن “مصادر المياه جفّت بأغلبها، وأصبح ليل الصيف مثل نهاره من حيث ارتفاع درجات الحرارة، حتى الطيور المهاجرة التي كانت تزورنا لم نعد نراها، والأشدّ قسوة كان موت العديد من الأشجار، أبرزها النّخيل، من دون سبب واضح. علامات التصحّر أصبحت واضحة على امتداد أراضي الولاية. مرّ هذا الشتاء، وقبله الخريف، من دون أمطار حقيقية. أليست هذه أدلّة كافية على آثار تغيّر المناخ؟”.
الديوانية تواجه الجفاف: هل بدأت ملامح انعدام الأمن الغذائي؟
في تقديرات أخيرة للأمم المتحدة، يتموضع العراق بين أكثر خمس دول في العالم عرضة لتأثيرات التغير المناخي وشحّ المياه. وهي عوامل يتخوّف سكان البلاد وأهلها من أن تؤدي في العقدين المقبلين إلى جعل العراق بيئة غير قابلة للحياة.
في الديوانية، إحدى مدن جنوب العراق والمركز الإداري والاقتصادي والسياسي لمحافظة الديوانية، تنقل لنا ايمان البديري عطية ملاحظاتها: “ثمة ارتفاع قياسي في درجات الحرارة، يرافقه شحّ المياه. وأعتقد أن العوامل هذه تسبّبت في قلّة المحاصيل الزراعية المنتجة، وأثرت أيضاً على أمننا الغذائي. فقد تفاقمت معاناة العائلات التي تسكن في محيط المناطق الزراعية والذين لطالما كانت الزراعة مصدر قوتِهم ورِزقهم”.
في محافظة البصرة جنوب البلاد، تقول العراقية فاطمة البهادلي إن “الأهالي في شمال المحافظة كانوا يعتاشون لسنوات طويلة من صيد الأسماك وتربية الحيوانات في الأهوار (منخفضات من الأرض تتجمع فيها مياه الأنهار). وبسبب تأثيرات التغير المناخي، وأقصد بذلك ارتفاع درجات الحرارة وجفاف الأنهار، بدأ السكان ينزحون من القرى وهجروا أراضيهم عندما فقدوا عملهم وأرزاقهم، خصوصاً بعد نفوق الكثير من حيواناتهم بفعل شحّ المياه”.
لأن التغير المناخي يعدّ من أخطر التهديدات التي تواجه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكجزء من مشروعنا التوعوي لمواجهة آثاره والتكيّف معها، نريد أن نسمع منك، ومن المواطنين في جميع أنحاء المنطقة الذين يشهدون على التغيرات من حولهم، تلك التي تسبَّبَ بها الاحترار العالمي.
انضم إلينا