كل شهر نطلب من متابعينا في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن يخبرونا كيف يلتمسون آثار تغيّر المناخ. بطبيعة الحال، لا يمكن أن تُعزى كل هذه الأمثلة إلى تغيّر المناخ وحده، لكن التصوّرات والتجارب والوقائع المختلفة للناس في منطقتنا تساعدنا على اكتساب معرفة عامة لكل الأنماط المتعدّدة والمتشابه التي يرون من خلالها تغيّر المناخ، والتي تؤثّر على حياتهم ومحيطهم. فمع بداية فصل الشتاء كان واضحاً أن فصل الشتاء هذا جاء قليل الأمطار وجاف.
نخطّط لنشر هذه المدوّنة شهرياً – إذا كنت ترغب في مشاركة تجربتك الخاصة، أخبرنا هنا.
تحوّلات أنماط الطقس في مصر: أين اختفت لفحة الصقيع؟
حلّ الشتاء هذا العام على مدينة الإسكندرية ودرجات الحرارة “لا تزال شبه مسقرّة مائلة للدفء”. انطلاقاً من هذه الملاحظة يبدأ وائل أحمد الجمل بسرد روايته لما تشهده المدينة المصرية الساحلية من تغيّرات في نمط الطقس، ويضيف قائلاً: “في العادة، لا يمرّ شهر تشرين الثاني/نوفمبر من دون أن تشهد مدينتي هطولاً غزيراً للأمطار، وحتى هذه اللحظة لم نشعر حتى بلفحة الصقيع التي اعتدناها. وأعتقد أن لذلك دلالة على اختلالٍ في الطقس بدأ يظهر في هذا العام بالتحديد”.
تكرّر كريمة أحمد إدريس الملاحظة نفسها: “نعم، لاحظت آثار التغيرات المناخية بالطبع. من المفترض أن يعلن شهر نوفمبر حلول فصل الشتاء، لكن درجات الحرارة لا تزال مرتفعة وأشعة الشمس حادة، بحيث تسجّل درجات الحرارة ثلاثين درجة مئوية. تختفي السحب ومعها تختفي الرياح، ولا يشهد المساء انخفاضاً ملحوظاً في درجات الحرارة. أذكر أن أغلب المدن المصرية لم تشهد خلال العام الماضي هطولاً كبيراً للأمطار، ما خلا زخّاتٍ محدودة في فصل الشتاء. وإذا انهمرت الأمطار، سرعان ما تشرق الشمس بعد ذلك مباشرةً”. في ذاكرة كريمة أيضاً مظاهر جوية أكثر تطرّفاً، تتجلى كل عامين أو ثلاثة من خلال اشتداد غزارة الأمطار بشكلٍ مفاجئ، وتضيف: “تنهمر الأمطار من السماء كمياه البحار مسبّبةً سيولاً وفيضانات في الشوارع، وفي أحيان أخرى تمطر حبات البرد ذات حجمٍ قياسي يتسبب بأضرارٍ كبيرة، وبعدها بدقائق تسطع الشمس من جديد”.
تتوقف روايات السكان المصريين الذين راسلونا عند قصة محمد الغزالي، الذي يختم قائلاً: “نحن الآن في الخامس من شهر كانون الأول/ديسمبر، ولم تسقط أية أمطار حتى الآن، كما لو أننا مازلنا فى الصيف”.
شتاء تونس الجاف: أمطار نوفمبر قليلة وغير متواصلة
في بلدة ريفية تبعد نحو 50 كيلومتراً عن العاصمة تونس، عاشت خولة بوزرويتة حياةً كاملة، تخوّلها مقارنة مواسم الشتاء المتعاقبة على تونس منذ صغرها وحتى اليوم، وبالتالي معاينة التغيّرات الطارئة على أنماط الطقس في البلاد. وتقول: “تقع بلدتي على سفح جبل اختار السكان العيش فيه تجنّباً لمخاطر الفيضانات، وكانت تشتهر بإنتاجها الفلاحي (يُقصد به الزراعي) من الزيتون ذي الجودة العالية والبطاطس سريعة الذوبان والتّفاح الأخضر حلو المذاق. كانت تروي لي جدتي في الصّغر عن الثّلج الذي يتساقط في بلدتنا كل شتاء، وعن الصيف الذي لم يكن ينهك أجسادنا، وأيضاً عن طراوة التربة وكثرة الموارد المائية”.
وتضيف: “في صغري، وتحديداً في عام 2002، شهدت بلدتي آخر تساقطٍ للثّلج. وقبل سنوات عدة، شهدتُ آخر شتاءٍ ماطر، أقصد الشتاء الحقيقي الذي نعرفه. وفي كل عام، تزداد تربتنا جفافاً لقلّة الأمطار، ويصبح الصيف شديد الحرارة بفعل موجات الحرّ الخطيرة التي لم نعهدها في منطقتنا. هذا العام، لم نشهد أمطاراً لما يزيد عن تسعة أشهر. في العادة، يبدأ موسم الأمطار في أواخر أيلول/سبتمبر، لكن الأمطار لم تنهمر إلا في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، وتساقطت بنسبة قليلة وبوتيرة متقطعة”.
إلى مدينة صفاقس، عاصمة الجنوب التونسي، تنتقل بنا ريم حشيش لتؤكّد ما نقلته لنا خولة: “نعم، الطقس يزداد حرارة كل عام. في الأيام العشر الأخيرة من شهر نوفمبر، شهدت المدينة انخفاضاً في درجات الحرارة، في ظل غياب تام للأمطار وهو أمر غريب للغاية ويخالف ما اعتدناه من كمية المتساقطات بنهاية الخريف وبداية الشتاء. الجفاف أصبح آفة تهدّد فلاحتنا (الزراعة) وأرضنا. نحن في العادة نستخدم مياه “المواجل” (يُقصد بها حفر لتخزين مياه الأمطار) وهي عبارة عن آبار نجمع فيها مياه الأمطار لاستعمالها في الشرب، ومع تأثيرات الاحتباس الحراري وشحّ الأمطار، أصبح خطر الجفاف يهدّدنا فعلياً. نحن في قلقٍ شديد حيال التغيّرات المناخية وما تمثّله من تهديد لمنطقتنا ومنطقة شمال أفريقيا على وجه الخصوص”.
شتاء الجزائر قارس وجاف
إلى الجزائر، تأخذنا شهادات تشرين الثاني/نوفمبر وتحديداً إلى قصة مخيلف عماد الدين، الذي أوجز لنا تجلّيات التغيّر في أنماط الطقس في البلاد، موضّحاً: “لقد أصبح الشتاء أكثر برودة منذ حوالي 5 أو 7 سنوات على الأقل، سواء كان جافاً أو رطباً. ولكن من ناحية الأمطار، فقد انخفضت كمية المتساقطات كثيراً”.
وفي الإطار عينه، يقول فاروق شلالي: “هذه السنة لاحظنا غياب فصل الخريف، حيث سجلت الحرارة في الصيف درجات مرتفعة وبقيت عند حدود هذه الدرجات نسبياً خلال أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر، قبل أن تدخل البلاد في موجة برد في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر. أضف إلى ذلك عدم تساقط الأمطار والتغيّر في نمط الرياح، مما أدى إلى تأخّر موسم الحرث والبذر، متسبباً في غلاء أعلاف المواشي”. وتختم فاتحة يوسفي معاينة الجزائريّين لآثار تغيّر المناخ من خلال “درجات الحرارة التي بقيت مرتفعة بنسبة ملحوظة في شهر نوفمبر وبداية ديسمبر”، مشيرةً إلى أن هذا النمط “لم نعتد عليه خلال السنوات الماضية، ولاشكّ أن للاحتباس الحراري دور كبير في هذا الاختلال”.
لأن التغير المناخي يعدّ من أخطر التهديدات التي تواجه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكجزء من مشروعنا التوعوي لمواجهة آثاره والتكيّف معها، نريد أن نسمع منك، ومن المواطنين في جميع أنحاء المنطقة الذين يشهدون على التغيرات من حولهم، تلك التي تسبَّبَ بها الاحترار العالمي.
انضم إلينا
نقاش
أريدكم أن تشاركونا مشروع بيئي سيقام خلال شهر جانفي و فيفري بصفاقس تونس و لكم جزيل الشكر
مقالات مشوقة بلغة عربية جميلة وسليمة وتوصيف دقيق
المناخ بيد الله وعلينا الاحتياط من اى اضرار واستغلال ما ينفعنا من التغير فزيادة الامواج والمد والجزر يمكن انتاج الطاقة منها والرياح البحرية اشد ولكن المصيبة اكبر تحدث عندما نقوم نحن بتلويث المناخ فمثلا ان ترمى السفن فضلاتها العضوية والكيماوية والمواد المشعة والخطرةامام سواحل الموانى البحرية مما يلوث الشواطىء ورمالها ويتسبب فى انتشار الامراض والسرطان وتلوث الاسماك والحياة البحرية كلها والطحالب والقواقع ومنها ما يأكله الناس فتنتشر الامراض