كشفت دراسة جديدة بعنوان “رصد جودة الهواء – في بلدتي فيع وكفرحزير” [1] أن المتوسط اليومي الذي حدّدته المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية من ناحية انبعاثات تلوث الهواء يتم تجاوزه مرارًا وتكرارًا في بلدتيّ فيع وكفرحزير- شمال لبنان. تم الإعلان عن نتائج هذه الدراسة في مؤتمر صحافي دعا إليه تجمع البيئيين في الكورة ومنظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في مبنى البريتاك – بيروت.
أظهرت نتائج الدراسة التي عملت عليها كل من جامعة البلمند وقسم البحوث العلمية في منظمة غرينبيس الدولية، بطلب من جمعية “وصية الأرض” – وهي جمعية ناشطة في العمل البيئي في منطقة الكورة، أن تجاوز المستوى اليومي لتلوث الهواء المستوى المّحدَّد من قبل منظمة الصحة العالمية بشكلٍ متكرر أثناء عملية الرصد في بلدة كفرحزير [2]، كما بقي المتوسّط اليومي لتركيزات الجسميات من نوع PM2.5 أعلى من المستوى الذي حدّدته منظمة الصحة العالمية طوال مدّة الرصد باستثناء 3 أيام، ما يشير إلى احتمال تجاوز المتوسط السنوي للتركيزات أيضًا. وفي بلدة فيع، فقد تجاوز أيضاً المتوسط اليومي لتركيزات الجسيمات من نوع PM2.5 معايير منظمة الصحة العالمية معظم الوقت، وظلّ دائمًا أعلى من القيمة المحدّدة في المبادئ التوجيهية للمتوسّط السنوي للمنظمة نفسها [3]. وتشمل المصادر المحلية للمواد الجسيميّة الغبار المنبعث من مصانع الإسمنت والمقالع والكسّارات والانبعاثات الهوائية من المقالع وعمليات تصنيع الإسمنت، الى جانب عوامل أخرى، مثل عمليات الحرق في المنازل، والانبعاثات من وسائل النقل، بما في ذلك الغبار المعلّق في الهواء، ومواقع البناء الصغيرة.
وعليه قالت المديرة التنفيذية في غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غوى النكت:”ما تشهده بلدتي فيع وكفرحزير هو شكل من أشكال اللاعدالة الإنسانية والبيئية، ولا يمكن السكوت عن ذلك! هذه القضية هي قضية أهل وأبناء يواجهون كل يوم قوة أكبر منهم، من شركات عالمية ضخمة الى فساد محلي متشعب، ولذلك فهي تستدعي دعم وطني من كل أبناء الوطن. وإنني أتحدث عن القضية وأعلم جيداً ما الذي أقوله كإبنة من أبناء المنطقة تربت وترعرت هناك، وأعلم جيّداً كل المعاناة التي يواجهونها وجميع المحاولات التي يقومن بها لإيقاف هذا التعدي على صحتهم واقتصادهم وسبل عيشهم. إنهم يدفعون ثمن أزمة لم يساهموا فيها ولم يستفيدوا منها. الأرباح الطائلة التي تجنيها هذه الشركات لم تجلب سوى الأزمات المتتالية على المنطقة، فسكان المنطقة يدفعون ثمن ذلك بصحتهم وصحة أولادهم.”
وأكملت:”غرينبيس اليوم تقدّم هذه الدراسة وتشيد بضرورة عدم الوقوف عندها فقط بل استخدامها كدليل لدعم هذه القضية المحقة وانجاحها، وسنبقى جهة داعمة لأهالي المنطقة في كل ما يخدم قضيتهم لتحقيق العدالة وإعطاء الحق لأصحابه كي يعيش أهالي المنطقة بسلام”.
وقال رئيس جمعية “وصية الأرض” فارس ناصيف:”قضيتنا مع شركات الإسمنت ليست جديدة، وتأتي هذه الدراسة اليوم لتثبت مرة أخرى بشكل علمي ما كنا نقوله وما قاله عدد من الأطباء والاختصاصيين بأن نسب الإنبعاثات في المنطقة عالية جداً، ولذلك تأثير كبير على صحة الإنسان. وكنا قد رددنا ذلك كثيراً أمام المعنيين الذين يديرون لنا الأذن الصماء، لا بل وعلى العكس فإنهم ماضون بأعمالهم دون رقيب أو حسيب. فوزارة البيئة ليست غائبة عن ملفات المقالع وشركات الإسمنت، وهي من يخالف الدستور والقوانين والمراسيم والقرارات والأحكام القضائية والتي تقوم بمخالفة قرارات شورى الدولة في ما يتعلق بعدم إعطاء الصلاحية للعمل على هذه المقالع والكسارات.”
وأكمل:”الفساد البيئي يكمن في المقالع والكسارات، وسندافع عن صحتنا وبيئتنا في المحاكم كما وأننا توجهنا إلى البلدان التي يحمل جنسيتها بعض أصحاب شركات الاسمنت وأصبحنا جاهزين لإقامة دعوى في الأمم المتحدة ضد وزراء في الدولة اللبنانية لأن أعمالهم ساهمت في قتل مواطنين أبرياء وفقدان الإستدامة في تطوير مناطقنا وخسارتنا لأراضينا بأسعار زهيدة بسبب التلوث والمقالع ولن نتوانى عن تقديم دعاوى أخرى لتصحيح هذا المسار.”
وبدوره قال الناشط البيئي وعضو إداري في جمعية “وصية الأرض”، يعقوب إبراهيم وهبه:”لما زادت عدد الدعاوى ضد هذه الشركات، فقد بدأوا العمل بدون تراخيص وفي مناطق مصنفة سكنية، ويعملون ليلا بدون أي إذن شرعي وبدون أي ملاحقة من القوى الأمنية ولدينا الوثائق التي تثبت هذه الأعمال. وحكومتنا تآمرت على صحة أبناء الكورة خدمةً لمصالح الشركات يوم تخاذلت ولم تنفذ قرارات اتحاد بلديات الكورة وبلدية كفرحزير المكتوبة بدماء ودموع المتضررين من وجود المقالع .”
وفي المؤتمر أطلق تجمع البيئيين عريضة بعنوان “أوقفوا صناعة الأسمنت عن تدمير صحة وبيئة أبناء الكورة” على منصة “صوت”، وأعلن عن رزمة مطالب لحلّ هذه الأزمة الإنسانية والبيئية ووضعها برسم المعنيين:
1- وقف العمل كليا في المقالع، لا للاستثمار التأهيلي او لمخالفة قرارات مجلس شورى الدولة رقم ٢١٠ و٢١٧ للعام ٢٠٢٢.
2- لا لتعديل مرسوم ٨٨٠٣ حيث من المستحيل تأهيل المقالع والإستثمار فيها في آن واحد إلا في لبنان بسبب الفساد.
3- إغلاق المقالع وشركات الأسمنت في منطقة الكورة وساحلها ويمكن نقلها إلى منطقة أخرى فقط إذا كان ذلك مبررًا بدراسات بيئية واجتماعية مناسبة.
4- فتح باب الاستيراد وعدم سرقة المواطن اللبناني.
5- دفع ثمن تأثير الغبار على الأمراض السرطانية والتنفسية في ظل عدم وجود ادوية وكذالك تأثيرها على الشجر والانتاج الزراعي وصحة البيئة وأسعار الاراضي.
ويعتبر التعرض لجسيمات PM2.5 من أخطر العوامل البيئية التي تعنى بزيادة عدد الوفيات في العالم، ويعزى إلى 4.2 مليون حالة وفاة مبكرة في العام 2019 وفق منظمة الصحة العالمية [4]. وتصنِّف الوكالة الدولية لبحوث السرطان (IARC) تلوث الهواء، وخصوصًا الغبار المنقول جوًّا، على أنه مسرطن للإنسان (الوكالة الدولية لبحوث السرطان، 2016).
ملاحظة المحرر:
[1] الدراسة الكاملة هنا.
[2] رسم بياني 2
[3] رسم بياني 3
[4]