تخطّى تلوّث الهواء في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا أرقاماً قياسية وفق التقرير الجديد لتلوّث الهواء الذي نشرته “آي كيو اير- IQair”، معزّزا بذلك الإنذارات المتكرّرة المشيرة إلى خطر تلوّث الهواء على الصحة. ويكشف لتقرير أن 8 دول عربية احتلّت لائحة الدول الـ 20 الأكثر تلوثاً في العالم من ناحية مستوى الجسيمات الدقيقة من فئة 2.5، المعروف ب PM2.5. و في حين أنّ هذا التقرير يكشف ارتفاعاً ملحوظاً لتلوث الهواء في العديد من الدول، غير أن العديد من المناطق الأخرى ما تزال مستويات تلوّث الهواء فيها مجهولة.

تعتبر الجسيمات الدقيقة من فئة 2.5 من أبرز ملوثات الهواء التي تستخدم في تصنيف جودة الهواء، كما تستخدم كمؤشر معياري لجودة الهواء في تقرير الهواء العالمي. و هي عبارة عن جسيمات صغيرة جداً في الهواء، يبلغ قطرها أقل من 2.5 ميكرون، علمًا أنها من أكثر الملوثات الهوائية ضررًا، بناءً على انتشارها في البيئة والتأثيرات العديدة على الصحة  التي تترتّب على التعرض لها.

يحتوي التقرير على بيانات عن مستويات الجسيمات الدقيقة من فئة 2.5 ل 131 دولة، من بينها 10 دول عربيّة، وهي العراق، البحرين، الكويت، مصر، الامارات العربية المتحدة، السودان، قطر، السعودية، الجزائر، و سوريا. وقد تخطّت كلّ من هذه الدول المستوى السنوي المحدّد من قبل منظّمة الصحّة العالميّة (5 ميكروغرام لكل متر مكعّب). فقد احتلت العراق المرتبة الثانية عالمياًِ مسجّلة مسجّلة حوالي 80.1 ميكروغرام لكل متر مكعّب، أكثر ب 16 مرة من المستوى المحدّد من قبل منظّمة الصحّة العالميّة.  وكان تلفزيون البي بي سي قد نشر مؤخراً فيلماً وثائقياً عن  عن حياة الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من حقول النفط والغاز، حيث تكون مستويات الجسيمات الدقيقة من فئة 2.5 عالية. وقد  سلط الوثائقي الضوء على ارتفاع نسبة الأمراض المزمنة في هذه المناطق، لاسيما مرض سرطان الدم لدى الأطفال.

وقد كشفت تقارير علمية عدة الآثار الصحية الخطيرة التي يسببها تلوث الهواء على الإنسان. اذ يعرّض مجتمعاتنا إلى خطر الإصابة بأمراض مزمنة، منها أمراض القلب والسكريّ والانسداد الرئويّ المزمن وسرطان الرئة، إضافة إلى زيادة خطر الإصابة بالفيروسات التي لها تأثير على الجهاز التنفسيّ.

حوالي 3 ملايين حالة وفاة مبكرة لدى البالغين سنويّاً تنسب إلى الأمراض النّاجمة عن التعرّض لهواء ملوّث بالجسيمات الدقيقة من فئة 2.5، وفق تقرير سابق منشور من قبل غرينبيس.

ثمّ إنّ الخطر الذي يشكّله تلوّث الهواء لا يكمن فقط في المناطق التي تسجّل مستويات عالية من الجسيمات الدقيقة من فئة 2.5، فهناك العديد من المناطق الأخرى التي لم تتوفر البيانات المطلوبة لدرس حجم التلوّث فيها،  و ذلك بسبب إمّا غياب أجهزة المراقبة الأرضيّة، أو بسبب حجب هذه البيانات عن الرأي العام. وهذه المسألة مهمة جداً، لأن منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا تعاني من ندرة أو غياب كلى لبيانات تلوّث الهواء مقارنة بالمناطق الأخرى في العالم،  لا سيما أفريقيا، حيث تتوفّر بيانات تلوّث الهواء في 19 دولة من أصل 54، ما يجعل عدد كبير من المناطق غير ممّثلة من ناحية جودة الهواء. ومع غياب هذه المعلومات يصبح من الصعب  تحديد مدى تلوّث الهواء وتقييم أثره على الصحّة والبيئة. من جهة أخرى، يشير التقرير إلى أن دبي في الإمارات العربية المتحدة تمتلك أكبر عدد من محطات المراقبة في المنطقة، حيث تحتوي على ما يقارب خُمس محطات غربي آسيا. و عليه، فإن زيادة عدد أجهزة المراقبة الأرضية وإتاحة المعلومات للأشخاص يمكن أن يساعد في حلّ مشكلة التلوث عن طريق تزويد الأشخاص المعرضين للخطر، على وجه الخصوص الأطفال وكبار السن والأشخاص الذين يعانون من أمراض الجهاز التنفسي، بالمعلومات حول جودة الهواء يوميًا حتى يتمكنوا من اتخاذ القرارات اللازمة المتعلقة بصحّتهم. إضافة إلى إمكانية تحديد النقاط الأكثر تأثراً من ناحية التلوث وكذلك الكثافة السكانية لتقليل الانبعاثات والتخفيف من حدة المشكلة في الأماكن الأكثر تعرضاً للتلوث.

الإعتماد على الوقود الأحفوري كمصدر أساسي لإنتاج الطاقة وحرق النفايات ومحركات السيارات التي تعمل على الديزل والأعمال الصناعية الكبرى،  تنتج النسب الأكبر من الانبعاثات وهي من أبرز مصادر تلوّث الهواء بالجسيمات الدقيقة من فئة 2.5. ومن الجدير ذكره أن هذا التلوّث يمثّل قضيّة عدالة اجتماعيّة، ففي حين أن المتسبّبين بالتلوّث يجنون أرباحاً طائلة، تتأثّر الفئات الفقيرة والمهمّشة والمحرومة في المجتمع بشكل أكبر. 

هذا التقرير هو تذكير آخر بأن منطقتنا من المناطق الأكثر تأثّراً بتلوّث الهواء، وأن الإقرار بوجود مشكلة تلوث هوائي هو أمر في غاية الأهمية، فالخطوة الأولى لحل المشكلة هي الاعتراف بوجودها، وبعدها يجب العمل على استراتيجيات وخطط للحد من هذا التلوث.

كن/كوني جزءًا من حملاتنا المقبلة!

غرينبيس ممولة بشكل كامل من قبل أفراد كرماء مهتمين بحماية البيئة والدفاع عن كوكبنا. ولذلك يعتبر عملنا شبه مستحيل بدون مساندتكم ودعمكم لنا.
لا تقبل غرينبيس تبرعات من جهات حكومية أو شركات، وذلك للمحفاظة على استقلالية قراراتنا وحملاتنا التي تتطرق إلى قضايا مناخية بارزة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

انضم/ي إلينا الآن