إنّ “أصوات المحيطات الحيوية” (Vital Ocean Voices) هي سلسلة قصصٍ عن أشخاصٍ يعيشون في المُجتمعات الساحلية، في كافة أنحاء المُحيط الهندي. وتعرض هذه السلسلة، روايات وتقارير مباشرة عن كل من آثار الصيد المُدمّر، التلوّث وتدهور المناخ.

تُعتبر أعالي البحار أو ما يُعرف بالمياه الإقليمية، تمامًا مثل جزيرة ألدابرا المرجانية في المحيط الهندي المُدرجة ضمن قائمة اليونسكو للمواقع التراثية العالمية، جزءًا لا يتجزأ من التراث المُشترك للبشرية كلّها. فلا يعجّ هذا الموقع بالحياة فقط، لكنّه أيضًا يتمتّع بقيمةٍ عالميةٍ بارزة وهائلة. لذلك يُعتبر توفّر الإدارة السليمة والعلمية للمحيطات أمرًا حاسمًا وبالغ الأهمية لضمان حماية التنوّع البيولوجي الموجود في أعالي البحار. من هنا، نعرض اليكم قصّة مشوّقة حول شابة تُدعى “إيما”. تعرّفوا على هذه الشابة التي تُعتبر من دُعاة الحفاظ على البيئة السيشيلية ومن المُدافعين عنها. ستُشاركنا إيما خبرتها والدروس التي تعلمتها في جزيرة ألدابرا المرجانية وكيفية الحفاظ على مُحيطاتنا.

أنا اسمي إيما ميديريك، أبلغ من العمر 23 عامًا وأعمل الآن في مؤسسة جزر سيشيل (Seychelles Islands Foundation) كمساعدة لمنسق العلوم في ألدابرا. وتُعتبر ألدابرا واحدة من أكبر جزر الشعاب الحلقية المرجانية، البعيدة عن التأثيرات البشرية المُباشرة والأقل تأثرًا بالتدهور البيئي. لذلك تُعتبر هذه الجزيرة مثالاً يُحتذى به لما يُمكن تحقيقه على صعيد حماية المُحيطات، عندما تتوفّر الإرادة السياسية المطلوبة إلى جانب الإدارة السليمة القائمة على الأدلّة العلمية بالطبع.

  مما لا شك فيه أنّ جزيرة الدابرا تُصنّف كمُختبرٍ طبيعي لفهم واكتشاف النظم الإيكولوجية للمحيطات والجزر. ويعود ذلك إلى بُعدها الشديد، صعوبة النفاذ إليها، بقائها بمنأى عن التأثير البشري والاستمرار الدائم في حمايتها. فأصبحت ملاذًا لعددٍ لا يُعد ولا يُحصى من الأنواع والأشكال النادرة من الحياة البحرية والبرية في آنٍ معًا. إذ نجد فيها أكبر عددٍ من السلاحف العملاقة التي تتعدى العدد التقديري للسكان الذي يفوق 100 ألف نسمة. بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر هذه الجزيرة موطنًا للعديد من الأنواع التي تتمتّع بأهمية محلية وعالمية مثل السلاحف الخضراء، طائر الفرقاط البحري… إلى جانب كونها ملجأً لآخر طائرٍ لا يطير في المحيط الهندي، وطيور راعي الكوفيير (Dryolimnas Cuvieri)، وحيوان الأطوم البحري غير المعروف كثيرًا. وفي وقت تُعتبر جزيرة ألدابرا المرجانية واحدة من خمسين موقعٍ بحري ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، لا تتميّز هذه الجزيرة فقط بوفرة وتنوّع ثرواتها السمكية، الأنواع البحرية والشعاب المرجانية، لكنّها تتميّز أيضًا بنظمها الإيكولوجية للكربون الأزرق (غابات المانغروف والأعشاب البحرية). 

لقد بدأتُ العمل منذ نوفمبر/ تشرين الثاني في العام 2020 في مؤسسة جزر سيشيل المسؤولة عن إدارة هذا الموقع المُصنّف ضمن التراث العالمي البحري التابع لليونسكو.  لكنني ترعرعتُ بالأصل في “ماهي” – جزيرة سيشيل الرئيسية، على بعد أكثر من 1000 كيلومتر من ألدابرا التي تُحاوطها مياه المحيط من مُختلف الاتجاهات. وجودي هناك شكّل لي دافعًا لاختيار مهنة أستطيع من خلالها الحفاظ على البيئة البحرية من جهة، والتعاون مع باحثين من جميع أنحاء العالم وغيرهم محليين من جهة ثانية. وهذا بالتحديد ما وفّرته لي “مؤسسة جزر سيشيل”. فتقدمتُ للوظيفة، وانظروا أين أنا الآن! نحن نعمل بفرحٍ كبيرٍ على حماية موقعٍ يُعد من أجمل الأماكن وأكثرها نُدرة على وجه الأرض – “ألدابرا”. ونحن كلّنا في سيشيل نتمسّك بهذه الجزيرة المتنوعة والفريدة من نوعها، فهي تمتلك مكانة مُهمة في قلوبنا جميعًا.

أمّا بالنسبة لـ “مؤسسة جزر سيشيل”، فهي تأسست عام 1979 كصندوق خيري غير ربحي أنشأته حكومة سيشيل. وهي تُدير وتحمي منذ ذلك الوقت هذه الجزيرة المرجانية بالنيابة عن شعب سيشيل والعالم كلّه. وتُشغّل وتُدير مؤسسة جزر سيشيل واحدة من أقدم محطات ومراكز الأبحاث الاستوائية التي لا تزال مُستمرة حتّى اليوم في العالم. مع العلم بأنّها افتُتحت من قبل “The Royal Society” في 30 حزيران / يونيو من العام 1971. وأذكر هنا، أنّ هذه المحطة قد تمّ إنشائها بعد سلسةٍ من البعثات العلمية، التي نجحت في الضغط على المملكة المتحدة من قبل العلماء والمعنيين من جميع أنحاء العالم، بعد وقوفهم بوجه اقتراح إنشاء قاعدة جوية عسكرية كانت ستُدمّر ألدابرا بالكامل.

مع انضمامي إلى “مؤسسة جزر سيشيل”، لم أكن أوّل امرأة سيشيلية مُلوّنة تتولى منصب مساعدة منسق العلوم في ألدابرا. إنّما كانت هذه الخطوة بمثابة استمرار للعديد من دُعاة الحفاظ على البيئة من سيشيل الذين يقودون ويديرون الجزيرة المرجانية. وقد شغلت العديد من العالمات البيئيات منصب مُنسقات العلوم في ألدابرا، حيث قادت هذه النساء نجاحات علمية كبيرة وطبقت مناهج خاصّة تعترف بضرورة تمكين المرأة ودورها في عالم العلوم والبحث العلمي.

في أعرافنا وذاكرتنا الحيّة، لم يكن يُسمح للنساء بالعمل والعيش في ألدابرا من دون وصي عليها أو شريكٍ لها. لكن تغمرني فرحة كبيرة بإبلاغكم أنّ هذه الأيام قد ولت منذ زمن طويل. وتلعب النساء اليوم دوراً هاماً. وبات هناك اهتمام أكبر بأخذ وجهات نظرنا المُختلفة على محمل الجدّ وتجاربنا الحيّة والأمثلة عنها. وقد أكمل فريق نسائي بالكامل هذا العام الموسم الثامن من برنامج مراقبة الشعاب المرجانية في ألدابرا. وتجدر الإشارة إلى أنّ مؤسسة جزر سيشيل لا يغلب عليها الطابع النسائي فقط مع تشكيل النساء 60% من موظفيها، لكنّها بالفعل منظمة تقودها النساء.

ومما لا شك فيه أنّه لا يمكن لمحطة أبحاث ألدابرا أن تُحقق ما وصلت إليه من نجاحات من دون جهود مجموعةٍ كبيرةٍ من الشخصيات والأفراد من داخل سيشيل وحول العالم. فإنّهم إلى جانب تضحياتهم التي قدموها لألدابرا، عمدوا أيضًا إلى دعم بعضهم البعض. لكن في السنوات القادمة هناك ضرورة أساسية للعمل على بذل المزيد من الجهود والتضحيات والدعم. وذلك إذا أردنا الحفاظ ألدابرا من ناحية ومواجهة أزمة المناخ المُدمرة من ناحية أخرى.

في المقابل، يؤسفني القول بأنّنا رأينا بأعيننا ولمسنا من خلال أبحاثنا تبيّض الشعاب المرجانية الموجودة في الجزيرة المرجانية، والتي تُعتبر معزولة بالأصل وبعيدة عن التأثيرات المباشرة المؤدية لهذه الظاهرة. وليس ذلك فقط، بل وصلت التغييرات الكبيرة على شواطئ الجزيرة وأحوال الطقس. ومع توجه درجات الحرارة العالمية لتجاوز 1.5 درجة مئوية بين عامي 2026 و 2042، بدأنا مُسبقًا بوضع خطة عمل حول كيفية إنقاذ النظم البيئية والموائل والأنواع المختلفة الموجودة في ألدابرا.

وإلى جانب أزمة تغيّر المناخ، تُهددنا مسائل وقضايا عالمية أخرى مثل التلوث ومصايد الأسماك غير المستدامة… إذ تُعتبر ألدابرا وسيشيل في الخطوط الأمامية لتأثيرات هذه المشكلات والقضايا العالمية. لذا تدفعنا هذه الحقيقة المُؤلمة إلى رفع أصواتنا أكثر والتحدث بشكل علني ومُتزايد عنها، مع دعم المبادرات الدولية التي من شأنها أن تحمي ألدابرا ومُحيطنا، تمامًا مثل الدعوة إلى معاهدة المحيطات العالمية

ينمو الأمل فينا ويكبر بُمجرّد التفكير في مسيرة الخمسين عامًا الماضية لمحطة الأبحاث، والأخذ بعين الاعتبار الدروس المُستفادة ليس فقط من عالم العلوم والبحث. ومن التعاون الوطني والدولي أيضًا الذي حصل على المستويات الشخصية والتنظيمية والمحلية لحماية ألدابرا والمحيط الذي يُحاوطها. فعلى الرغم من التحديات الكبيرة والشكوك التي تواجه ألدابرا ومُحيطنا والبشرية كلّها، يُظهر النهج الذي اتبعته محطة الأبحاث مع فرق عملها المُختلفة على مر السنوات، الإمكانية الكبيرة التي يُمكن أن يحملها تطبيق نهج يقوم على الأدلّة للإدارة، تقوية القدرة المحلية والتعاون مع الذين يدركون ما المطلوب.

أدعوكم لمساعدتي وفريق مؤسسة جزر سيشيل وألدابرا للتغلّب على تحديات هذا القرن، عبر سعيك إلى تقليل بصمتك البيئية والضغط على المعنيين لاتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة لحماية المناخ. وذلك عبر دفعهم نحو الانتقال التدريجي على الطاقة المتجددة ودعم معاهدة عالمية للمياه الدولية. فإنّ موقعًا كجزيرة ألدابرا يصعب الوصول إليه ويُعتبر حيويًا لبقائنا على قيد الحياة، ليس فقط مشابهًا لمكانِ مثل أعالي البحار في اختفائه، ضعفه وأهميته…. ولكنّه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتيارات والتنوّع البيولوجي والملوّثات التي لا تعرف حدودًا.

إيما ميديريك هي مساعدة منسق العلوم في ألدابرا في  مؤسسة جزر سيشيل.

دفاعاً عن محيطاتنا

نملك الآن فرصة التغيير، وذلك عبر وضع أجزاء من المحيطات، تلك الأكثر أهمّية وضعفاً منها، خارج نطاق التهديدات المدمّرة.

انضم إلينا