ما نشهده اليوم من موجات بردٍ شديدٍ وحرائق غاباتٍ مدمّرةٍ، ليس إلا انعكاسًا لظواهر الطقس المتطرّف التي يفاقمها تغيّر المناخ. ووفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ (IPCC)، فإن شدّة هذه الظواهر وتواترها مرشحان للارتفاع بوتيرةٍ غير مسبوقة، مما ينذر بكوارث بيئية واقتصادية تهدد حاضر البشرية ومستقبلها. لكن، ما هو تغيّر المناخ؟ وما هي العوامل التي تؤدي إلى تفاقمه؟ في هذه المدوّنة، سنكتشف جميع هذه الأبعاد.

ما هو المقصود بالتغيّر المناخي؟

في الظروف الطبيعية، تتقلّب أحوال الطقس وتختلف درجات الحرارة مع تعاقب الفصول. لكن حين تصبح هذه التقلّبات أكثر حدة، وتتخذ طابعًا طويل الأمد وغير اعتيادي، فإننا نكون أمام ظاهرة تغيّر المناخ. تؤدي هذه الظاهرة إلى ارتفاع درجات الحرارة، واضطراب أنماط تساقط الأمطار. وما يترتب على ذلك من ذوبان الجليد القطبي، وارتفاع مستويات البحار، وجفافٍ قاتل، وعواصف مدمّرة. ومع أنّ العالم بأسره بدأ يلمس تداعيات هذه الأزمة، تبقى الشعوب المقيمة في الجزر الصغيرة والدول النامية، ومن ضمنها بلدان منطقتنا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الأشد تضرراً والأكثر هشاشة.

صحيحٌ أنّ بعض أسباب تغيّر المناخ تعود إلى عوامل طبيعية كالتغيّرات في الدورة الشمسية والنشاط البركاني، إلا أن مساهمة هذه العوامل تبقى محدودة جدًا. فمنذ الثورة الصناعية، وخصوصًا بعد منتصف القرن العشرين، بدأت الأنشطة البشرية تساهم بشكل أساسي في تفاقم هذه الظاهرة من خلال انبعاثات غازات الدفيئة التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري. بالتالي إنّ الأسباب الطبيعية فهي لا تشكل إلا جزءاً صغيراً جداً من مجمل الأسباب، إذ إن سرعة تأثيرها ومفعولها لا يوازيان قوة الاحتباس الحراري الذي نشهده اليوم. 

ما هو الاحتباس الحراري؟

أسهمت الأنشطة البشرية، ولا سيّما حرق الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز)، في تسخين المحيطات والغلاف الجوي والأرض بوتيرة غير مسبوقة. وبحسب تقرير “حالة المناخ العالمي” الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يُرجَّح أن يكون عام 2024  أوّل عامٍ تتجاوز فيه درجات حرارة سطح الأرض 1.5 درجة مئوية فوق معدّل ما قبل الثورة الصناعية، مما يجعله الأشد حرارة خلال 175 عامًا من الرصد.

ويُعرَّف الاحتباس الحراري على أنه الارتفاع المستمر في متوسط درجات حرارة سطح الأرض على المدى الطويل، نتيجة لزيادة تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، أبرزها ثاني أكسيد الكربون، الميثان، وأكسيد النيتروز (أو أكسيد النيتروجين الثنائي)، إلى جانب بعض الغازات المهجنة وأكسيد النيتروجين. وتنبعث غازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، نتيجة احتراق الوقود الأحفوري، وهي تعمل على حبس حرارة الشمس وإعادة إرسالها نحو الأرض، مما يتسبب في ارتفاع درجات الحرارة العالمية.

لكن الأسباب وراء زيادة تركيزات غازات الدفيئة لا تقتصر على حرق الوقود الأحفوري فحسب؛ بل تشمل أيضًا أنشطة أخرى مثل إزالة الغابات، والأنشطة الصناعية، ومكبّات النفايات، والزراعة التي تساهم في تعزيز هذه المستويات. وقد وصلت تركيزات هذه الغازات إلى مستويات قياسية؛ إذ ارتفع تركيز ثاني أكسيد الكربون من نحو 278 جزءًا في المليون عام 1750 إلى أكثر من 420 جزءًا في المليون عام 2023، بزيادةٍ قدرها 51%.

لماذا يعتبر مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30) فرصةً مفصلية؟

في ظل هذا المشهد القاتم، تبرز أهمية التحرّك العاجل لكبح هذه الأزمة ومواجهة آثارها، حفاظًا على مستقبل الإنسان والحياة على الكوكب. وتُعدّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واحدة من أكثر المناطق تأثراً، إذ ترتفع فيها درجات الحرارة بمعدل يقارب ضعف المعدل العالمي. 

من هنا، تبرز أهمية مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30) الذي تستضيفه مدينة بيليم البرازيلية ليكون نقطة تحوّل حقيقية لتصحيح الظلم الذي شهدناه في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (COP29) في باكو. بالرغم من أهمية وعود تمويل المناخ التي أفضت إليها المفاوضات، فإنّ الهدف المعلن بتوفير 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2035 بعيد جداً عما هو مطلوب، وخاصّة عند احتساب قيمة التضخم. كما يفتقر الهدف إلى الوضوح فيما يتعلّق بنوعية التمويل المُقترح، مما يثير مخاوف من احتمال الاعتماد على القروض بدلاً من المنح، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة الأعباء الاقتصادية على الدول المستضعفة. للأسف، لقد أظهر مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين مرّة أخرى أنّ أولويات دول الشمال العالمي لا تتماشى مع الاحتياجات الملحّة لدول الجنوب. وإنّ عدم إعطاء الأولوية للعدالة والمساواة يترك منطقتنا تتحمّل تبعات أزمة لم تتسبّب بها. 

ما هي تأثيرات التغيّر المناخي على منطقتنا؟

تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأكملها نقطة ساخنة لتغيّر المناخ، رغم محدودية مساهمتها في انبعاثات الكربون العالمية.
في منطقة تعاني أصلًا من ندرة المياه، تتضاعف الأزمات مع ارتفاع درجات الحرارة بمعدل 0.4 درجة مئوية لكل عقد منذ ثمانينيات القرن الماضي، أي ضعف المعدل العالمي، وذلك وفقًا لتقرير “على شفير الهاوية” الصادر عن مختبرات غرينبيس للبحوث في جامعة إكسيتر. واليوم، مئات الملايين من سكان هذه المنطقة، التي تضمّ أكبر مصدّري النفط والغاز في العالم، يجدون أنفسهم في مواجهةٍ مباشرةٍ مع تداعيات تغيّر المناخ، من ندرة المياه إلى موجات الحرّ القاسية والفيضانات المدمرّة.
هذا الاحترار المُتسارع يعني المزيد من موجات الجفاف، وتقلّص أسرع وأخطر للموارد المائية، وقطاعاً زراعياً يُكافح من أجل البقاء. وبما أنّ دول المنطقة تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على الواردات الغذائية، يتحوّل الجفاف إلى تهديدٍ مزدوجٍ، إذ لا يضرب الإنتاج المحلّي فحسب، بل يعرّض الإمدادات العالمية، التي تعتمد عليها شعوب المنطقة، لاضطراباتٍ خطيرة، مما يضع الأمن الغذائي والزراعي على المحكّ، ويهدّد سبل عيش الملايين الذين يعتمدون على خيرات أراضيهم كمصدر رزقٍ أساسي.
ويحذّر التقرير أيضاً من أنّ 80% من المدن المكتظة بالسكان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تواجه موجات حرّ تمتد لما لا يقلّ عن 50% من المواسم الدافئة بحلول نهاية القرن الحالي. 

وفي ظل الارتفاع المستمر للانبعاثات في بعض المواقع بالشرق الأوسط ومنطقة الخليج، قد تتجاوز درجات الحرارة القصوى خلال موجات الحرّ الشديدة مستقبلاً حاجز الـ 56 درجة مئوية، ما يشكّل تهديداً خطيراً على المجتمعات والصحة والأنظمة البيئية، ويجعل العيش في بعض المناطق شبه مستحيل. 

ما الحلول الفعّالة لتغيّر المناخ؟

من المؤكد أنّ  طريق الحلول واضح، رغم التحديات الكبيرة. إذ تكمن السبل الرئيسية لمواجهة تغيّر المناخ في ممارسة الضغط على الحكومات والشركات الكبرى لجعل الوقود الأحفوري من التاريخ، حيث  يتعيّن على جميع الدول الانتقال إلى اقتصادات خالية من الوقود الأحفوري بأسرع وقتٍ ممكن. في الوقت نفسه، يُعدّ الاستثمار المكثّف في مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، مثل الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، والطاقة المائية، وطاقة المدّ والجزر، والطاقة الحرارية الجوفية، أمرًا بالغ الأهمية. 

بالتوازي مع ذلك، هناك حلول أخرى لا تقل أهمية، بدءًا من اعتماد وسائل النقل المستدامة، مرورًا بحماية المحيطات، والحد من استهلاك البلاستيك، ووصولًا إلى الحفاظ على الغابات وغيرها من النظم البيئية الحيوية.

هل واجهت آثار تغيّر المناخ؟

لأن التغير المناخي يعدّ من أخطر التهديدات التي تواجه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكجزء من مشروعنا التوعوي لمواجهة آثاره والتكيّف معها، نريد أن نسمع منك، ومن المواطنين في جميع أنحاء المنطقة الذين يشهدون على التغيرات من حولهم، تلك التي تسبَّبَ بها الاحترار العالمي.

انضم إلينا