تعافي من الأزمة يجب أن يكون له خطة خضراء وعادلة. ولعل التعامل مع الطوارئ المناخية هو بداية لأن الفشل في هذا الموضوع يزيد من تعرضنا للأمراض المعدية.

يحتفل باليوم العالمي للبيئة في الخامس من حزيران سنويًا. هذه المناسبة هدفها رفع الوعي العالمي والتّحرك السّياسي حول القضايا البيئية. لا بدّ من الإشارة إلى أنّ اليوم العالمي للبيئة له رمزية خاصّة مع كل ما يجري في العالم بسبب جائحة الكورونا. وبرزت دراسات مختلفة عن العلاقة التّفاعلية بين البيئة وفيروس الكورونا المستجّد. وهذان المتغيّران يمكن أن يتأثّرا ببعضهما البعض على صعدٍ مختلفةٍ. من هنا تبرز أهميّة وضع الأولوّية للبيئة بعد الإنتهاء من الأزمة. لماذا؟ الإجابة في ما يلي.


ما هي علاقة البيئة بجائحة الكورونا؟

لفهم أهميّة إعادة النّظر في تعامل المنظومة البشرية مع البيئة، سنعطي بعض الأمثلة المبسّطة عن ترابط متغيّرات بيئية بالأمراض المعدية والكورونا منها. لنبدأ أوّلاً من تدمير التنوّع البيولوجي البيئي. فتدهور النّظم البيئية والتنوّع البيولوجي يعزّزان تطوّرالأمراض المعدية ذات المصدر الحيواني ويزيدان من احتكاك الإنسان بالحيوانات البرية، بالتّالي يرتفع احتمال انتقال العدوى إلى الإنسان. ثانيًا، الحفاظ على صحّة المحيطات والبحار وتنوّع الحياة البحرية يسمح للعلماء بإجراء بحوث طبيّة لفهم الفيروسات الجديدة وإيجاد لقاحات لها. ثالثًا، ليس هناك دليل مباشر على أن تغّير المناخ يؤثّر على انتشار كوفيد-19، لكنّه يغيّر كيفية ارتباطنا بالأنواع الأخرى على الأرض وهذا أمر مهم لصحتنا ولخطر الإصابة بالعدوى. كما أن العديد من أسباب تغيّر المناخ تزيد من خطر الأوبئة مثل إزالة الغابات. وبالفعل جعل تغيّر المناخ ظروف انتشار بعض الأمراض المعدية أكثر ملاءمةً، فهو يؤثّر على نواحٍ عدّة مرتبطة بوقت ومكان ظهور مسبّبات الأمراض مثل أنماط درجات الحرارة وهطول الأمطار.

أمّا عن العلاقة العكسية بمعنى تأثير الجائحة على البيئة فهي أيضًا دليل على مخاطر مستقبلية تلوح في الأفق إذا استمرينا على هذا المنوال وعرضّنا أنفسنا للمزيد من الكوارث الطّبيعية والأمراض المعدية. فبعض العواقب البيئية للأزمة سلبية إلى حدٍّ كبير. مثلاً ارتفاع حجم النّفايات غير القابلة للتدوير والتخفيضات الشّديدة في مستويات الصادرات الزراعية والسّمكية أدّت إلى إنتاج كميات كبيرة من النفايات العضوية. في العديد من البلدان، طلب من العاملين في مجال حماية البيئة في المتنزهات الوطنية ومناطق الحفاظ على الحياة البريّة والبحرية البقاء في المنزل بسبب الإغلاق، وهذا ما جعل هذه المساحات من دون مراقبة وازداد بالتّالي القطع والإزالة غير القانونيين للغابات كما الصّيد البري والبحري غير القانونيين أيضًا.

كل هذه الأمثلة، حتّى ولو كانت بسيطة تجعلنا ندرك مدى ترابط سلامتنا وصحتّنا مع سلامة وصحة الكوكب والبيئة! 

الاستثمار في البيئة أوّلًا بعد الكورونا 

ما يحصل اليوم بسبب أزمة الكورونا ما هو إلّا بداية إذا لم نتحرّك بسرعة لإعادة بعض الإستقرار إلى المنظومة البيئية. تلتفت أنظارنا اليوم إلى كل ما حولنا، إلى الطّبيعة، البيئة، النّاس، الكوكب، والبشر. هذه النّظم وجدت في طريقة متوازنة ومتناسقة منذ البدء. هذا التّوازن لم يكن عبثيًا، بل هو يحفظ الإستقرار. ما حملته العقود الأخيرة من كوارث طبيعية وصحيّة، لا بدّ أن تكون نتيجة استغلال الإنسان لموارد هذا العالم واقتصادات وضعت الربح المادي فوق كل شيء وسياسات لم تدرك أنّ القضاء على المنظومات البيئية بهذا الشّكل لن يوّلد السّلام والرّفاه الذّي تستحقّه الأجيال اللّاحقة. يجب أن نتوقّف لدقائق اليوم ونفكّر جدّيًا بما يمكن أن نتعلّمه من هذه الأزمة. العبرة الأولى هي البيئة أوّلًا. الجائحة ستنتهي عاجلًا أم آجلًا، التّغيير يبدأ من كل فرد وصولًا إلى الحكومات والمجتمع الدّولي. إبدأ من منزلك، من شارعك ومجتمعك وكن قدوةً للآخرين. أي عمل صديق للبيئة بإمكانه إحداث فرق!

التّعافي من الأزمة يجب أن يكون له خطّة خضراء وعادلة. فالبيئة السّليمة وغير المضطربة تشكّل درعًا ضدها. يمكن القيام باستثمارات ذكية لتلافي أزمة مشابهة في المجالات البحثية الطّبية والبيئية. العمل على منع التّصحر وقطع الغابات مثالاً يساعد على حماية التنّوع البيولوجي والتّقليل من خطر الأمراض المعدية. خفض نسب تلوّث الهواء أيضًا من خلال التقليل من النّشاطات المسبّبة يمكن أن يحمي الإنسان من أي أمراض تنفسية مستقبلية.

هذه الأمور لا يمكن أن تتّم إلّا من خلال وضع البيئة في قلب السّياسات العالمية لضمان حياة الإنسان على هذا الكوكب. تعلّمنا أزمة كورونا وحتّى الأزمات الطّبيعية أنّ هذه الأمور يمكن أن تحصل للجميع ولكن ليس بطريقة متساويّة وهنا تبرز أهميّة التّعافي العادل لحماية الفئات الأضعف من ما يمكن أن يحصل مستقبلًا.

غريزة البقاء أو البقاء على قيد الحياة هي محرّك أساسي للسلوكيات الإنسانية. ولا يمكننا البقاء إلّا إذا وجدنا في بيئة سليمة. لنغيّر إذًا سلوكنا لوضع البيئة اوّلًا في قلب حياتنا اليومية. لنؤمّن عالمًا أفضل لأولادنا وأحفادنا.


تعافي من الأزمة يجب أن يكون له خطة خضراء وعادلة. ولعل التعامل مع الطوارئ المناخية هو بداية لأن الفشل في هذا الموضوع يزيد من تعرضنا للأمراض المعدية.


بعض المصادر:

https://unctad.org/en/pages/newsdetails.aspx?OriginalVersionID=2333

https://www.bbc.com/news/science-environment-52418624


إنضم إلى الحراك!

من أفراد مهتمين بحماية كوكبنا وتحقيق السلام العالمي والوصول الى التغيير الإيجابي من خلال التحرك الفعلي! معاً لن يستطيع احد ايقافنا. غرينبيس هي منظمة مستقلة تعمل على إحداث التغيير في السلوك والتصرفات، بهدف حماية البيئة والترويج للسلام العالمي.

انضم إلينا