في أجواء مفعمة بالأمل، وبين ضفاف وأشجار تنزانيا الخضراء، احتُضنت النسخة الثالثة من مخيّم العدالة المناخية 2024 بين 8 و12 تشرين الأول/أكتوبر. اجتمع 300 قائد شاب من المناطق الأكثر تأثراً بتغيّر المناخ، ليكونوا جزءًا من حركة جماعية تطمح لإحداث التغيير. هؤلاء الشباب من دول الجنوب العالمي لم يكونوا مجرد حضور صامت، بل كانوا المحرك الرئيسي في الحدث، رافعين أصواتهم وممثلين مجتمعاتهم المتأثرة، مؤكدين: “نحن هنا، ونحن جزء من الحل”.

خلال فعاليات المخيّم، تكوّنت تحالفات جديدة، وتم تطوير مشاريع مبتكرة وتبادل الأفكار بين المشاركين، مما جعل هذه النسخة ليست مجرد لقاء شبابي، بل حركة طموحة عابرة للحدود تسعى لتحقيق التّغيير في مواجهة أكبر تحديات المناخ. تضمّنت الفعاليات ورش عمل متنوعة، لقاءات ثقافية ووقفات تضامنية مُلهمة، تركزت على التحديات والمخاوف التي تواجه العالم اليوم.

الشباب يقودون التغيير في مواجهة تغير المناخ  

كيف ساهم الشباب من دول الجنوب العالمي في مناقشة حلول عملية ومستدامة للعدالة المناخية؟

من بين أكثر من 100 دولة من الجنوب العالمي، وصل المشاركون إلى المخيم، ومن بينهم قادة شباب من المغرب، ومصر وتونس وفلسطين والأردن والعراق والسودان رافعين علم دولهم، وممثلين المجتمعات التي تعاني من آثار التغير المناخي بشكل مباشر.

عند الغروب في اليوم الأول، وقف الجميع معًا لالتقاط صورة جماعية تحمل رمزية للشمس، لتعلن انطلاقة المخيم بروحٍ متفائلة ورسالة واضحة: إن شباب اليوم مستعدون لقيادة مستقبل مناخي أفضل، وهم متكاتفون من أجل تغيير جذري.

القضايا المحورية في مخيّم العدالة المناخية 2024: مؤتمر الأطراف COP29 والطاقة المتجددة

ركّز المشاركون في المخيّم هذا العام على ست قضايا أساسية شملت النزاعات المسلحة، مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (COP29) والتحول الطاقي، التكيف مع آثار التغير المناخي، الحد من تلوث البلاستيك، والعلاقة بين الجندر والمناخ. كما تناولوا مواضيع مثل مشاريع النفط والغاز والقضايا البيئية والمبيدات العشبية والإبادة البيئية والإبادة الجماعية وتلوث الهواء، بالإضافة إلى الآليات المالية والتقاضي لجعل الملوثين يدفعون.

الشباب لم يتحدثوا فقط عن هذه القضايا؛ بل طرحوا حلولًا عملية وواقعية، في إشارة إلى أن مشاركتهم في مؤتمر الأطراف COP29 ستكون حاسمة، فهم لن يكتفوا بالمراقبة أو التفرج – بل سيكونون في المقدمة، يطالبون بحقهم في العدالة المناخية.

تحالفات شبابية جديدة لمواجهة التحديات المناخية في الشرق الأوسط

خلال المخيم، أدارت مسؤولة الحملات في غرينبيس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كنزي عزمي، بالتعاون مع الأستاذ أحمد الصعيدي، وهو محامي بيئي مصري ومؤسس مكتب أحمد الصعيدي للمحاماة، جلسة عن سُبل محاسبة الملوّثين من خلال الآليات المالية والقضائية. لقد كانت هذه الجلسة بمثابة صوت للشباب الذين جاءوا ليمثلوا المجتمعات التي تدفع الثمن الأكبر للتغير المناخي. كنزي، ومعها العديد من النشطاء، أكدوا أن الوقت قد حان ليتحمل الملوثون والشركات الكبرى المسؤولية عما تسببوا فيه، وأنه يجب علينا تحويل أصوات المجتمعات المهمّشة إلى قوة على طاولة التفاوض.

#الملوّث_يدفع

تطوير المهارات وبناء القيادات: تجربة ملهمة للشباب في مخيم العدالة المناخية 2024

للمرة الثانية، شارك الباحث البيئي من المغرب، أيوب كرير، في مخيّم العدالة المناخية، واصفاً تجربته بأنها “استثنائية بكل معنى الكلمة”. تحدث عن كيفية بناء مهاراته القيادية قائلاً: “استفدت من التجارب السابقة لأشارك بفعالية أكبر هذه المرة. التفاعل مع مجموعة متنوعة من القادة الشباب والنشطاء البيئيين من دول مختلفة منحني رؤى جديدة وأبعاداً أعمق في عملي”.

وأضاف أيوب: “العلاقات التي نسجتها مع زملائي عززت إحساسي بالانتماء لحركة أوسع تسعى لتحقيق العدالة المناخية. هذه التجربة كانت مليئة بالتعلم والتفاعل، ما دفعني لمواصلة العمل على قضايا المناخ في بلدي والمنطقة”.

لم تكن مشاركة أيوب محصورة بالنقاشات، بل تضمنت قيادته لورشة عمل حول مواجهة تلوث الهواء، حيث عرض خلالها حلولًا مبتكرة للتصدي لأزمة “الغبار الأسود” في القنيطرة في المغرب. إلى جانب الورش العلمية، شملت الأنشطة التدريب على مهارات الإعلام، مكافحة المعلومات المضلّلة والتصوير البيئي، ما جعل المخيّم فرصة لاكتساب مهارات عملية تساهم في تمكين القادة الشباب في مواجهة تحديات المناخ.

أيوّب كرير خلال مشاركته في مخيم العدالة المناخية 2024

التقاطع والوحدة

من أبرز ما ميز مخيم العدالة المناخية هو تقاطع العدالة المناخية مع قضايا أساسية مثل العدالة الاجتماعية والمفاهيم الجندرية وإنهاء الاستعمار. على الرغم من كل الصعوبات التي تواجه الشباب في المنطقة، كانت رسالة المخيم واضحة: لن نسمح للتحديات بإسكات أصواتنا. وعلّقت الباحثة المصرية في الحركة النسوية للعدالة الاقتصادية والإيكولوجية والتنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينافيم)، آمنة شرف، قائلةً: “ربما كان المكسب الأكبر من مخيّم العدالة المناخية هو استعادة الأمل”، مضيفة أن “مبادئ العدالة المناخية لا تنفصل عن مبادئ حقوق الإنسان ومناهضة الاستعمار، ففي نهاية المطاف تترابط النسوية مع استغلال الموارد وسلب الحريات”.

وتابعت: “بينما تحدثتُ عن ترابط النوع الاجتماعي مع التدهور المناخي، تحدث الآخرون عن ترابط الاستعمار مع التدهور البيئي، وفي مواجهة هذا الترابط، نجد أنفسنا نوجه دعوة لبعضنا للترابط المجتمعي. أحياناً يبدو أن بناء الحركات يمثل تحدياً كبيراً، لكن حين يقف الجميع جنباً إلى جنب يصبح هناك بصيص أمل. وقفنا جنباً إلى جنب في مخيم العدالة المناخية، ووجدتُ في تلامس الأكتاف لخدمة هدف واحد قليلاً من الراحة”.

التغيير الإيجابي من خلال العدالة المناخية

خلال مشاركتها في فعاليات المخيّم، شدّدت الناشطة في مجال المناخ والعدالة الاجتماعية من تونس، عزيزة فاخر، على الأثر الإيجابي للمخيم على الشباب في منطقتنا، مشيرةً إلى أنهم لم يكتسبوا فقط المعرفة اللازمة للتعامل مع القضايا المناخية، بل أصبحوا/أصبحن أيضاً جزءاً من حركة عالمية مناهضة للنموذج الاقتصادي الاستخراجي المدمّر، تهدف إلى تحقيق التغيير الإيجابي العادل. ومن خلال تعزيز التعاون بين الشباب من الجنوب العالمي، تمكّن المشاركون/ات من صياغة استراتيجيات شاملة تهدف إلى مواجهة آثار تغير المناخ، مما يؤكد على دورهم الحيوي كقادة في هذا المجال.

وقالت فاخر: “أصبحت أزمة المناخ جزءاً لا يتجزأ من نضالاتنا في المنطقة، حيث تتأثر حياتنا ومعيشة مجتمعاتنا المحلية بشكل عميق بشح المياه والجفاف والسياسات المناخية البيئية غير الفعالة المتجذّرة في النظام الرأسمالي. تُسهم مساحات مثل مخيّم العدالة المناخية بشكلٍ كبير في تبادل المعرفة والخبرات بين مجتمعات الجنوب العالمي، لتعزيز التضامن وتثمين سردياتنا بهدف دفع جهود العمل المناخي والمساهمة في بناء مستقبل عادل”.

لبنان المُغيّب حضوره قسراً بسبب العدوان

وُلد مخيّم العدالة المناخية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسخته الأولى في تونس والثانية في لبنان. هذا العام، واجهت منطقتنا تحديات كبيرة بسبب الحرب الإسرائيلية على لبنان والإبادة الجماعية المتكشفة أمام أعيننا في فلسطين، التي منعت بعض الشباب من الحضور إلى تنزانيا والمشاركة. ورغم غيابهم، كانت أصواتهم حاضرة. يارا عبد الخالق وتالا علاء الدين هما ناشطتان من لبنان لم تتمكنا من الحضور، وعلقتا بالقول: “العدوان الإسرائيلي المستمر جعل من المستحيل علينا تمثيل بلدنا”.

وتابعتا: “كنا كما العديد من الناشطين/ات من لبنان متحمّسات للمشاركة في مخيم العدالة المناخية، ولكنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان والمنطقة جعلت تمثيل بلدنا مستحيلاً. وللمفارقة، في العام الماضي، نُظّم هذا المخيم بنسخته الثانية في لبنان، وكان فرصةً لحشد قوة الشباب، وخصوصاً من دول الجنوب، في مواجهة التحديات العالمية. لقد كان هذا المخيم مساحةً اجتمعنا فيها لتبادل المعرفة وتعزيز العمل المناخي وبناء الشبكات الإقليمية، وكان موضوع إزالة الاستعمار والاحتلال حاضراً دائماً في نقاشاتنا ومقاربتنا كأساس لتحقيق العدالة المناخية في المنطقة. إنّ هذا الاحتلال وما يسبّبه من حروب في المنطقة يمنعنا هذا العام بشكلٍ مباشر من المشاركة ويُسكت اصواتنا ويهمّشنا كشباب ويعزلنا عن المناقشات العالمية حول المناخ.” 

واستكملتا قائلتين: “إن استمرار الاحتلال الاسرائيلي المدعوم من بعض القوى الكبرى في عالم الشمال هو السبب المباشر لما نشهده في لبنان وفلسطين حالياً، ولما شهدته المنطقة منذ العام 1948 حتّى اليوم، ما يؤكّد على الضرورة الملحّة للتصدي ليس فقط للأزمات البيئية، بل أيضا لانظمة العنف والقمع الأوسع نطاقاً التي تغذيها. إن أزمة المناخ تتفاقم بسبب الأنشطة العسكرية والممارسات الاستعمارية التي تبيد شعوبنا وتستخرج الموارد وتصادر الأراضي وتشرّد مجتمعاتنا وترسخ غياب العدالة في مناطقنا. لذلك لا يمكننا تحقيق العدالة المناخية دون تفكيك الاستعمار وإزالة كل أوجه الاحتلال والعسكرة.”

واختتمتا بالقول: “قد نكون مغيّبات قسراً هذا العام، ولكن أصواتنا حاضرة عبر مشاركة رفاقنا. وليكن هذا المعسكر الذي يجمع الشباب من جميع أنحاء بلدان الجنوب دعوة للوحدة في العمل المناخي والتضامن بوجه كل أفعال القوى الاستعمارية والأنظمة التي تفاقم التدهور البيئي والمعاناة الإنسانية. لنسمي الأفعال ومرتكبيها بأسمائهم ولنزل الاستعمار من عقولنا أولاً ولنقاوم سوياً نحو تحرير فكرنا وأرضنا لعلّنا نصل إلى تحقيق عدالة مناخية فعلية.”

شهد المخيم فعّاليات ووقفات تضامنية مؤثرة وكلمات لدعم كل من لبنان وفلسطين، تأكيدًا على أن غياب ممثلين منهما لم يمنع الحاضرين من إيصال صوتهم ومساندتهم في هذه اللحظات الصعبة.

لم يكن المخيم فقط مساحة للنقاشات الجادة، بل كان أيضاً منصة للإبداع والمرح. في إحدى الجلسات، اجتمع المشاركون لصنع الأقنعة الأفريقية والرقص على إيقاعات تقليدية، في لحظات مليئة بالبهجة والانفتاح على ثقافات جديدة. هذه اللحظات أكدت أن المقاومة لا تأتي فقط من السياسات، بل أيضاً من الفنون والإبداع، حيث يستخدم الشباب أدواتهم للتعبير عن أنفسهم وتعزيز الروابط بينهم.

 ثقافة وتناغم

كان المخيم مشهدًا للإبداع الجماعي والطبيعة الساحرة. تنوع الأنشطة كان مذهلاً؛ من المشي في الغابات صباحاً لاسكتشاف التنوع البيولوجي الفريد، إلى إنشاء لافتات دعماً لفلسطين. كما تميز المخيم بمعرض المبادرات المحلية، الذي سلّط الضوء على المشاريع المستدامة من مجتمعات تقف عند الخطوط الأمامية لتغير المناخ.

كان الحفل الختامي بمثابة احتفاء بالتنوع الثقافي الغني الذي جمع الشباب من مختلف أنحاء العالم. مع موسيقى ورقصات تقليدية وشعور بالأمل والتفاؤل، اختُتم المخيم بروح قوية تؤكد أن العدالة المناخية هي قضية مشتركة تتجاوز الحدود والثقافات.

الشباب العربي والمشاركة في مؤتمر الأطراف COP29: دورهم الحيوي في العدالة المناخية

الطريق إلى البرازيل وكوب 29

في ختام المخيم، تم الإعلان أن النسخة الرابعة من مخيم العدالة المناخية ستُعقد في البرازيل العام المقبل! إنها ليست مجرد دعوة للمشاركة، بل هي رسالة أن هذه الحركة مستمرة، وأن الشباب من جميع أنحاء العالم يزدادون قوة ووحدة. ومع اقتراب مؤتمر الأطراف COP29، ستكون أصوات هؤلاء الشباب هي القوة الدافعة نحو إحداث تغييرات ملموسة في سياسات المناخ العالمية.

المشاركون غادروا المخيم برسائل قوية وتحالفات جديدة ستنعكس على مؤتمر الأطراف COP29 المقبل، حيث سيكون صوت الشباب في المقدمة. من خلال المشاريع المحلية، الفن والتواصل العابر للحدود، يستعد هذا الجيل لصناعة تغيير حقيقي يواجه أكبر تحديات المناخ في عصرنا.