تتطلع المديرة التنفيذية في منظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غوى النكت قدماً إلى مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP27. مؤتمر يضع مصالح الشعوب في المقام الأول، ويُعالج وقائع وتداعيات الظلم المناخي.


يُشار إلى هذا الحدث العالمي بشكل أكثر شيوعاً بإسم مؤتمر الأطراف، ويُعقد هذا العام بجانب البحرالأحمرفي وقت تنال المجتمعات الأفقر في الجنوب العالمي النصيب الأكبر من تداعيات كارثة تغيّر المناخ، يُمثّل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ خطوة أساسية على الخطوط الأمامية للأزمة. فهو فرصة حقيقية أمامنا ولا تُفوّت لتغيير السردية الحاصلة والواقع الذي نعيشه.

في شرم الشيخ بمصر. كما سيُشكّل فرصة حقيقية لتسليط الضوء على الناس والمجتمعات في الشرق الأوسط وأفريقيا، والجنوب العالمي الأوسع. فتُعتبر العديد من دول المنطقة من بين الأكثر عرضة لتأثيرات تغيّر المناخ. إذ بات كل من الجفاف وارتفاع درجات الحرارة والتصحر وارتفاع منسوب مياه البحر والمجاعة واقعاً قاتماً تعيشه هذه الدول.

من هنا، ينصبّ تركيزنا في مؤتمر تغير المناخ هذا العام على إحداث تحوّل حقيقي في أنماط التفكير، عبر جعلها تقوم على احتضان الحاجة للقيام بتغيير منهجي لتأمين مستقبل أفضل لشعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فنحن ندعو اليوم إلى المساءلة التي تعترف بمسؤولية البلدان الغنية ومسببي الانبعاثات التاريخية (المسؤولة الأكبر عن تغير المناخ)، عن الخسائر والأضرار التي لحقت بالدول الفقيرة. وهذا ما نُسميه بالفعل بالعدالة المناخية.

وتُعتبر الفيضانات التي حصلت في باكستان ومواسم الجفاف غير المسبوقة التي تضرب القرن الأفريقي، أمثلة حيّة عن طبيعة الكوارث التي يجب معالجتها على الفور. وهي أيضاً تؤكد على أهمية التوصل إلى إتفاق لمعالجة الخسائر والأضرار التي تواجهها الدول الموجودة على الخطوط الأمامية لتغير المناخ. بالتالي هناك حاجة ماسة وفعلية لتمويل الخسائر والأضرار، لضمان قدرة هذه المجتمعات الضعيفة على الإستجابة السريعة للكوارث المناخية والتعافي منها.

مع العلم أنّ من دون هذا الدعم، يُمكن للأفراد والمجتمعات أن تنزلق بسهولة إلى دائرة الفقر التي تُحتّم عليهم فقدان سبل العيش وانعدام الأمن الغذائي. إلى جانب الآثار الصحية الجسدية والعقلية المترتبة عن تداعيات هذه الحلقة المُفرغة.

كما تُشير أحدث التقديرات والدراسات إلى أنّ 3.3 مليار شخص على الأقل يعيشون في ظروف شديدة التأثر بتغير المناخ. بالتالي إنّ الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ تحدث بالفعل، ومن المقرر أن تتزايد بشكل كبير خلال العقدين المقبلين. إذ من المُقدر أن تصل كلفة الخسائر الإقتصادية على البلدان النامية بحلول العام 2030 إلى حوالى 580 مليار دولار أميركي. مع العلم أنّ هذا الرقم لا يزال ضئيلاً مقارنةً بالتكلفة غير المادية للخسائر والأضرار. ونتحدث هنا عن الأرواح التي تُفقد، الآثار على الصحة والتعليم والرفاهية والثقافة والتقاليد … فضلاً عن فقدان التنوع البيولوجي والضرر الذي يلحق بالنظم البيئية.

لقد التقت منظمة غرينبيس عن قرب بالعديد من أبناء المجتمعات الموجودة على الخطوط الأمامية التي تواجه تحديات تغير المناخ. وهي مُجتمعات باتت تُشارك بشكل استباقي في التكيف مع تداعيات تغير المناخ، وتعمل على إيجاد الحلول. مع العلم أنّ غالبًا ما تكون هذه المجتمعات هي الأكثر فقراً، مع أقل الموارد المُتاحة والمُتوفرة.

اجتمعنا بمصريين حافظوا على قراهم التقليدية من خلال تركيب الألواح الشمسية والتوجه نحو الطاقة الشمسية. كما تعرّفنا على قصص مزارعين في الجزائر، يتعلّمون تقنيات جديدة للحد من زحف الرمال والتصحر؛ إلى جانب علماء النبات اللبنانيون الذين يعملون على بناء وتطوير قدرة غابات الأرز القديمة على التكيف مع درجات الحرارة المتزايدة، من أجل الحفاظ عليها؛ ولا ننسى علماء الأحياء البحرية من مصر الذين يدرسون الشعاب المرجانية في البحر الأحمر، حتى يتمكنوا من بناء مرونة للشعاب المرجانية المحتضرة في أماكن أخرى من العالم وإنقاذها. 

إنهم ينجحون في كل ما يفعلونه بتقديم الأمل لنا. ويؤكدون مرة جديدة أنّ تضامن الأفراد والمُجتمعات من شأنه أن يُساهم في تقليل تأثيرات كارثة تغير المناخ عليهم وعلى مناطقهم. 

لكن في أغلب الأحيان يتم تقويض هذه الجهود البطولية بسبب الأزمات المتداخلة، والمصالح وطبيعة نظامنا الذي يعطي الأولوية للربح على حساب الناس والكوكب.

فعلى مدى قرون عدة، ارتبط هذا النظام بالعنصرية، النظام الأبوي، النزعة الاستخراجية، الإستهلاك، الإستغلال وعدم التمكين. فحصدت الدول الغنية أرباحًا ضخمة من اقتصاد الوقود الأحفوري، في حين وضعت العالم على مسار الاعتماد الكُلّي على هذا الوقود الأحفوري.

لذا في وقت يُعتبر التمويل من أجل التكيف مهماً، إلا أنّه في كثير من الأحيان لا يكفي لحماية هذه المجتمعات من الكوارث الناجمة عن تغيّر المناخ، ولا التعافي من خسائرها المأساوية. ومن هنا تأتي الحاجة إلى تأسيس منشأة أو مرفق لتمويل الخسائر والأضرار.

إنطلاقاً من هنا، يُمكن القول بأنّه ليس من السهل أن نعثر دائماً على الأمل. وبشكل خاص بين المجتمعات والفئات التي تُواجه على نحو متزايد بيئات غير صالحة للسكن. فواحات المغرب رائعة الجمال، هي الأخرى عرضة لتأثيرات التغيّر المناخي. إذ تلعب الواحات دورا مهما في المنظومة الاجتماعية والبيئية في المغرب. ويُعتبر أسلوب الحياة التقليدي الذي تُوفره لسكانها مُهدداً بالإنتهاء بسبب تغير المناخ؛ ويهدد فشل المحاصيل في دلتا النيل سبل عيش المزارعين المصريين؛ أما في تونس، فيكافح النحالون والرعاة على حد سواء للعثور على ما يكفي من الغطاء النباتي، في حين يجد مزارعو الزيتون صعوبة في العثور على الماء لأشجارهم؛ بالإضافة إلى ذلك، يهدد ارتفاع منسوب مياه البحر وجود مواقع أثرية جزائرية مهمة، وهناك إمكانية لزوالها.

هذا هو السبب الحقيقي الذي يدفعنا لمعالجة الماضي. لذا يمثل مؤتمر تغير المناخ فرصة للمضي قدماً بهدفنا، وتوفير التمويل الكافي لـ”الخسائر والأضرار”. وهذا بالتحديد من شأنه أن يجعل الدول الغنية تتحمل مسؤولية الماضي الذي تسببت به. هذا الماضي المسؤول عن جعل بلدان أخرى أكثر فقراً، وأكثر عرضة لحوادث  الطوارئ المناخية. ومن أجل مُستقبل يُخاطر برؤية هذه المجتمعات نفسها تُعاني من آثار مناخية حتمية تتجاوز قدرتها على التخفيف من آثارها والتكيف.

وتلعب المستويات الكبيرة من التمويل المتعلقة بالمناخ والمقدمة على أساس سنوي للمجتمعات المهمشة والمعرضة للخطر، دوراً مهماً في تعويضهم عن الخسائر والأضرار التي يعانون منها.  بالتالي يتوّجب على الحكومات توجيه الدعم المالي إلى هذه المجتمعات، ومعالجة المشاكل الأساسية للفقر وعدم المساواة، فهي التي تجعل المجتمعات والبلدان الفقيرة أكثر عرضة للصدمات المناخية والتغيرات المناخية البطيئة الظهور.

إنطلاقاً إذاً من كل هذه الأسباب التي ذكرناها،  تتركز مطالب منظمة غرينبيس الرئيسية في قمة المناخ COP27 على إنشاء آلية جديدة لتمويل الخسائر والأضرار (Loss and Damage Facility). وندعو البلدان إلى تقديم الدعم الفني والتقني اللازمين للتأكد من وصول الأموال المطلوبة إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليها؛ ويتوّجب على البلدان الأكثر ثراءً والأكثر تلويثاً أن تساهم بأموال إضافية لهذه الآلية . بناءً على الالتزامات التي تمّ التعهد بها بالفعل من قبل الدنمارك واسكتلندا ووالونيا أو فالونيا؛ كما يجب أن يحصل توافق على أن يكون تمويل الخسائر والأضرار ركيزة ثالثة جنباً إلى جنب، لكن منفصلة عن التخفيف والتكيف. ضمن إطار الهدف الكمّي المشترك الجديد بشأن تمويل المناخ. مع العلم أنّ وجود ركيزة منفصلة يُعد أمرًا حاسمًا لضمان توفير متوازن لهذه القضايا والتوزيع بشكل عادل والوفاء بالإلتزامات. 

تُعرّض أزمة المناخ الحاصلة أجيالنا المستقبلية للخطر. في وقت تُعد منطقتنا واحدة من أكثر المناطق شباباً، إذ حوالى 60% من سكان منطقتنا هم تحت سن الـ 25 عاماً. لكن حان الوقت لضمان سماع أصواتهم، وجميع الأصوات الأخرى من جنوب الكرة الأرضية في هذه المحطة العالمية المُنتظرة، وهي قمة المناخ COP27. وبإمكاننا القول بأنّ حركة الشباب من أجل المناخ باتت أكثر تمثيلاً للمجتمعات الجنوبية أو الجنوب العالمي. وسيصل الناشطون الشباب إلى شرم الشيخ وإلى مؤتمر الأطراف للتعبير بكلّ حزم وعزمٍ للدفع قدماً نحو تعزيز التغيير المستدام. 

ومن الواضح  أنّ المزيد من هؤلاء الشباب المُندفع، يُشارك يوماً بعد يوم في العمل المناخي على الأرض. فهم يقودون بكل نجاح مبادرات في مجتمعاتهم المحلية. والأكيد أنّه من خلال مواهبهم واهتمامهم وإصرارهم سوف نحقق مُستقبل صحي وأكثر استدامة.

وصل ممثلو المناخ الشباب من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على متن سفينة غرينبيس الى الاسكندرية-مصر لرفع قضية “العدالة المناخية” عالياً على رأس جدول أعمال مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في دورته السابعة والعشرين، المُنعقد في شرم الشيخ في نوفمبر. ومن ضمن جولة “معاً للعدالة المناخية” التي تستضيفها السفينة، سوف يجوب هؤلاء الشباب شواطئ مصر ويزورون المجتمعات والقادة البيئيّين في الفترة التي تسبق انعقاد مؤتمر المناخ cop27.